المربّي له وأنه الملك وأنه الإله المعبود وحده فلا مُدبّر له في جميع حالاته ولا قاهر ومألوه سواه. فإن قبل الهداية الأوّليّة العامّة انقطع إلى الله في جميع أحواله ، وإن أباها واستحبّ العمى على الهدى كان شيطاناً موسوساً مضلا عن الهدى ، وكان تعويله وانقطاعه إلى هواه الذي اتّخذه إلهه.
فانقسم الناس بهذا إلى [ ثلاثة (١) ] أقسام ، كلّ قسم منها مباين لغيره بوجه وإن كان يجمعها في الظاهر بحسب البنية نوع الإنسان :
فالإنسان أوّل بروزه في الدنيا مربّى بحت ، لا يجد لنفسه اعتباراً ولا [ تدبيراً ] (٢) ولا اختياراً [ فلذلك ] دلّ عليه بلفظ الربّ المربّي والمدبّر.
ثمّ إذا كان صبيّا وظهر فيه سلطان الوهم ، كان مملوكاً مقهوراً لما فيه من شره النفس ، لخلوّها حينئذٍ من الارتياض بالنواميس الشرعيّة ، فناسب أن يدلّ عليه بلفظ الملك.
ثمّ إذا عرف الله وعبده وانقاد له كان الله إلهه ومولاه في كلّ أحواله.
فلمّا تباينت حقائق الأقسام الثلاثة ناسب التعبير بالظاهر دون الضمير المتّحد المعنى بمرجعه. والخانس عن هذه الأنواع الثلاثة هو من جملة ما أمر الله بالاستعاذة به منه في كلّ الحالات. وهذا التقسيم يدلّ على كلّيّات مراتب النفس من الهيولاني إلى العقل بالفعل ، وعلى ترتّب كلّ درجة على سابقتها ، وعلى تباين حقائق النفوس بتباين الملكات ، والله العالم.
__________________
(١) في المخطوط : ( أربعة ).
(٢) في المخطوط : ( تبدير ).