الافتراق بعد الوصول إلى مقام الوحدة والثبات أعني دار القرار بطريق أولى.
وممّا ذكرناه من الوجهين يعلم وجه تغيّي لعنة إبليس : بيوم الدين وما أشبه ذلك ؛ فإنّ إبليس : لعنه الله قبل العرض على رسول الله صلىاللهعليهوآله : يوم الدين شخص ملعون ، فهنا ذات لها لعن ، أي ذات ملعونة. وبعد ثبوت اللعن له وتلازمهما إلى ذلك المقام لا يمكن انتفاؤه عنه أبداً. وما بالذات لا يزول ؛ لأنّه حينئذٍ يظهر ويتحقّق ويثبت أن حقيقته ذات صفتُها الذاتيّة اللعن ، بل حقيقتها في الحقيقة اللعنُ ، فتمتنع المزايلة بينهما ؛ لأنّها دار القرار. فلا ينفكّ حينئذٍ من أنه ملعون عليه لعنة الله أبداً.
وقس على هذا أمثاله ، وتلطّف لكلّ مقام بما يناسبه ، فإنّ هذا باب ينفتح منه أبواب ، والله الهادي للصواب.
قد دلّ هذا الحديث الشريف على عصمة العترة : عليهمالسلام بمقتضى تلازمهم مع القرآن ، فإنّ من أمكن منه غفلة أو سهو فضلاً عن المعصية فإنّه مفارق للقرآن حال غفلته أو سهوه بالضرورة ؛ لأنّه حينئذٍ مع غير الحقّ ، ولا يكون القرآن مع غير الحقّ. فأمّا مفارقتهم في تلك الحال للقرآن ، وقد نفاه هذا النصّ الصريح وغيره ممّا استفاض نقلاً (١) وعقلاً ، أو كون القرآن حينئذٍ [ مع غير الحقّ ] وهو باطل بالضرورة. فإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يمكن أن يقع منهم غفلة أو سهو فضلاً عن المعصية.
وبالضرورة أن هذه الأُمّة لم يثبت لأحد منها هذا التلازم مع القرآن غير العترة المطهّرة : بنصّ الكتاب (٢). وله مؤيّدات كثيرة تدلّ على عصمتهم صريحاً كحديث
__________________
(١) انظر عمدة عيون صحاح الأخبار : ٦٨ ـ ٧٦ / الفصل : ١١ ، بحار الأنوار ٢٣ : ١٠٦ ـ ١٤٧.
(٢) في قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) ، المائدة : ٣ ، وقوله عزّ من قائل ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) ، المائدة : ٦٧. انظر : مناقب أمير المؤمنين ( ابن المغازلي ) : ١٨ ـ ١٩ / ٢٤ ، تأويل الآيات الظاهرة : ١٥١ ـ ١٥٢ ، ١٦١ ـ ١٦٥.