[٦٩]
كشف وإنارة : الليل
قبل النهار والنهار قبل الليل
ما الجمع بين ما دلّ من الروايات والبراهين العقلية على أن النهار خلق قبل الليل (١) ، والنور قبل الظلمة (٢) ، وبين ما دلّ منهما على أن ليلة اليوم الحاضر هي الماضية ، وعليه انعقد إجماع الأُمّة شرعاً واتّفقت كلمة أهل اللغة ، وتفاهم أهل العرف في كلّ زمان ومكان. فهو ملحق بالضروري ؛ إذ لا يرتاب أحد في أن أوّل الشهر غروب شمس آخر يوم من الذي قبله ، وأنه آخر الشهر الماضي؟
قلت ـ وبالله المستعان ـ : اعلم أن الله تعالى بحكمته أوّل ما ابتدأ خلق ما هو أشدّ وجوداً وأجمع فعليّة وأكمل نوراً ، وهو بابه الأعظم ، فتنازل الوجود إلى مرتبة الأرض والتراب ، ثمّ عاد إلى ما منه بدأ ، فانقسمت الدائرة إلى قوسي بدءٍ وعودٍ. فقوس البدء كلّ درجة سابقة فيه أعلى ممّا تحتها وهي نهارها ، بخلاف قوس العود فإنّه على العكس من ذلك. فكلّ سافل في قوس النزول وإدبار العقل يظهر بعد العالي ، وعكسه في قوس إقبال العقل ، فالفعل في قوس إدباره قبل القوّة ، والقوّة في قوس إقباله وهو العوديّ قبل الفعل.
وبالجملة ، فهذا العالم على التعاكس من عالم الأنوار ، فكلّ رتبة تظهر أوّلاً في قوس إدبار العقل تظهر بعد ظهور ما بعدها في قوس إقباله ، والفعل في قوس
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٢٤٩ ، مجمع البيان ٨ : ٥٤٨.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٤١ / ١.