التكليف الإيجادي يسبق القوّة ، والقوّة في قوس الإيجاد التكليفي تسبق الفعل. وبذلك يكمل الاختيار والاختبار ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) فيهما ، وما كان عن الوسع لا يمكن كونه عن جبر واضطرار.
فآخر القوس البدئيّ وأوّل العوديّ مرتبة الهيولى الصرف والهيولانيّ البحت. ولعلّ من أسرار ذلك وجوب المناسبة بين الفاعل من حيث هو فاعل أي بجهة فاعليّته التي هي علّة المفعول ـ [ و ] القابل من حيث هو كذلك ، فلا يلزم من ذلك تشابه حقيقة الفعل لذات الفاعل لذاته ، فلا يشبه ذات الفعل ذات فاعله من غير مزايلة ، ولا ينافيها من غير ممازجة ومشابهة. وكذلك النتيجة والشكل ، والدليل والمدلول ، والاسم والمسمّى ، والعلّة والمعلول ، إلى غير ذلك.
فظهر بهذا أن النهار في صقع الإبداع الأوّل سابق على ليله ، والليل في صقع القوّة الاستعداديّة ودائرة الزمان وعرصة المكان سابق على نهاره. فسبق النهار في ابتداء الخلق هو سبق الليل في عالم الزمان ، لأنّ هذا ظلّ ذاك ، والظلّ لا يظهر إلّا على عكس شكل ذي الظلّ ، فأسفله أعلاه ، وأعلاه أسفله ، كما هو محسوس.
فدليل كلّ منهما هو دليل الآخر ، فالمجرّد سابق الأجسام بدءاً ، ولاحقها عوداً. وعند كون أحدهما شهادةً يكون الآخر غيباً فيه ، فكلّ منهما ليل للآخر بوجه ، الظاهر نهار والغائب ليل. ومن هنا يظهر لك الوجه في موارد كثيرة ، فآدم عليهالسلام : سكن الجنّة قبل الدنيا وبعدها ، ولو لم يسكنها أوّلاً لم يسكنها آخراً ؛ لأنه لا يعود شيء إلّا لما منه بدأ.
ولذا من لم يسكنها من بني آدم عليهالسلام : أوّلاً ولم يدخل نار التكليف المؤجّجة في الذرّ لا يسكنها آخراً ، وإنّما عود إلى بدء. وكانت دولة الجهل في دار الخلط سابقه على دولة العقل ، فلا يقوم العدل حتّى يستحكم الجور ويخلص ، وذلك بعد انتهاء الأقاليم السبعة ، وكمال عمارة الدنيا. فإذا سامتَ القطب الرأس ، واستولى على الحواسّ ، وانطبقت دائرة المعدّل على الأُفق الحقيقيّ ، عُدم الميل وانسلخ النهار من