[٩٥]
سرّ خفّي ووعد وفيّ
الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر
مسألة : ما الوجه في أن الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والآخرة على العكس؟
والجواب من وجوه :
أحدها : أن الكافر في الدنيا وإن اشتدّ بلاؤه وتتابع وتنوّع واتّصل ، فإنّه بالنسبة لما يلاقيه في الآخرة في جنّة ، والمؤمن على العكس من ذلك وإن تواترت عليه النعم في الدنيا وتنوّعت واتّصلت ، بل ولو ملك الدنيا بحذافيرها وعمّر في عافية إلى أن ينفخ في الصور ، فهو في سجن بالنسبة لما يلاقيه من فسحة الآخرة ، وأنواع النعم فيها.
الثاني : أن الدنيا على العكس من الآخرة في كلّ شيء ؛ لأنّها بالنسبة للآخرة كالظلّ الحاكي لذي الظلّ ، والظلّ يحكي ذا الظلّ معكوساً ، ولأنّها نقيض لها بوجه ، وهما على التعاكس مطلقاً. والمؤمن في الآخرة في أتمّ السرور والأمن والفسحة ، والكافر على العكس من ذلك ، فما أضيق مقرّه وأوحش مسلكه وأثقل قيوده فيها! فلا بدّ أن يتعاكسا في الدنيا وإن لم يظهر للحسّ.
الثالث : أن المؤمن لمّا كان باقياً على فطرة الله المستقيمة ، مخلوق من طينة الجنّة ، والكافر معوجّ الفطرة ، مخلوق من طينة جهنّم. فالمؤمن من حيث إيمانه مسجون من حيث هو في الدنيا ، والكافر من حيث كفره في نعيم من حيث هو في الدنيا.