الرابع : أن السرور والأمن والراحة والفسحة وأضدادها إنّما تكون بإدراك الملائم والمناسب والمجانس أو المناوع والمصانف للنفس أو المزاج أو الطبع أو العقل أو الحقيقة والهوية من حيث هي. فالمؤمن لمّا كان لا يدرك من الدنيا من حيث هي دنيا إلّا ما ينافي وينافي أو يضادّ أو يناقض ذاته وصفاته وطباعه ومزاجه ونفسه وعقله ؛ لأنه ليس من سنخ الدنيا من حيث هي دنيا ، بل من سنخ الجنّة وصفاتها كان في الدنيا في سجن ، والكافر لمّا كان من سنخ المجتثّ الذي لا أصل له ولا قرار ، وخلق من طينة النار لم يدرك من الدنيا إلّا ما يلائمه ويناسبه لقرب المشابهة ؛ فإنّ الدنيا لا قرار لها بل هي فانية مضمحلّة دائمة الذوبان والسيلان ، وهو في جنّته.
فإذا زالت الدنيا عنهما وكان بصرهما حديداً ، وأدرك كلّ منهما حقيقة الدنيا والآخرة انكشف لكلّ منهما أنه كان على العكس بل الضدّ بل النقيض ممّا كان فيه في الدنيا.
الخامس : قد تقرّر بالدليل عقلاً ونقلاً ، كتاباً وسنّةً إن الآخرة نتائج الأعمال ، بل هي هي و ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١).
و « إنّما هي أعمالهم ردّت إليهم » (٢).
فالمؤمن في الجنّة وفسحتها وإن كان في الدنيا ، والكافر في النار وضيقها وخوفها وأحزانها وإن كان في الدنيا ، إلّا إن النفس محجوبة عن مشاهدة ذلك بالعيان غير مشعرة به ما دامت مشغولة بتدبير البدن الطبيعيّ. فهي محجوبة به عن ملاحظة أصلها ، مأسورة بأسر المواد والطبائع ، مسجونة في مطمورة الزمان والمكان ، فإذا انكشفت الدنيا لكلّ منهما ، وظهرت الحقائق ، ووقعت المزايلة التامّة ، ونظر كلّ منهما وسمع ببصر بصيرته وسمع عقله ، رأى وعلم أنه كان على العكس ممّا كان عليه في الدنيا.
__________________
(١) الطور : ١٦ ، التحريم : ٧.
(٢) انظر : توحيد المفضّل بن عمر : ٥٠ ، بحار الأنوار ٣ : ٩٠ ، باختلاف.