فرد من فراعنة البشر آدم [ الّذي نسبت (١) ] المعصية إليه ، بل يمكن أن كونهم يخرجون من ظهره هي المعصية المنسوبة إليه ، فإن إطلاق المعصية على ذواتهم صحيح وإن كان مجازاً لغويّاً. وسمّي تخليصه منهم وتميّزهم منه ومن أطائب ذرّيّته توبةً واجتباء ؛ إذ بدونه لا يكمل الاجتباء والرّجوع إلى ما منه بدأ ، والله العالم.
المسألة الثانية : كيف يثاب البدن ويعاقب ، وهو مستخدم للنفس مقهور لها ، لا يستطيع مخالفتها ، لأنه آلة لها كالمنشار في يد النجّار؟
والجواب ومن الله استمداد الصّواب أن المكلّف هو الإنسان ، وهذا اللفظ لا يصدق على النفس وحدها ولا على البدن وحده ، وإنّما يراد به شيء (٢) مركّب هو مجموع النّفس والبدن ، كالسّكنجبين إنّما يطلق عَلى شيء مركّب من أجزاء ثلاثة ، لا يصحّ إطلاقه على شيء من أجزائه على الانفراد.
فالنفس إنّما تعصي وتطيع بالبدن ، والبدن إنّما يعصي ويطيع بالنفس ، فكلّ منهما لا يتحقّق منه أحدهما على الانفراد ، فكلّ منهما إنّما صدر من كلّ منهما دفعة على الاجتماع ، ولكلّ منهما [ قسط (٣) ] من الاختيار فكلّ منهما إنّما صدر منهما باختيارهما معاً ، وليس البدن بمثابة المنشار في يد النجّار من كلّ وجه ، بل لغلبة النفس وكونها منبع الاختيار ؛ ربما نسب لها الفعل. بل خواصّ الحكماء ينفون القسر والطبع بوجه وإن أثبتوه بوجه. فجميع الحركات عندهم اختيارية بوجه ، حتّى إن الأصنام المنحوتة إنّما عبدت بنوع من اختيارها.
فلذا ظاهر القرآن (٤) إنها تعذّب في النار مع عابديها ؛ فظهر استحقاق البدن للثواب والعقاب كالنفس ، والله الهادي ، وهو العالم.
__________________
(١) في المخطوط : ( التي نسبة ).
(٢) في المخطوط : ( بشيء ).
(٣) في المخطوط : ( قصط ).
(٤) إشارة إلى ما جاء في قوله عزوجل ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) الأنبياء : ٩٨.