ولو انعكس الفرض بأن كان قد صلّى ما هو صحيح عندنا لو كان مؤمناً ، فاسد عنده ، فالظاهر أنّه لا إعادة عليه أيضاً ، بل ربما كان الحكم فيه أولى.
واحتمل بعض (١) الأصحاب هنا الإعادة ؛ لعدم اعتقاده صحّته. ولأنّ الجواب وقع عمّا صلاه في معتقده.
واعلم أنّ هذا الحكم لا يقتضي صحّة عبادة المخالف في نفسها ، بل الحقّ أنّها فاسدة وإن جمعت الشرائط المعتبرة فيها غير الإيمان ، وأنّ الإيمان شرط في صحّة الصلاة ، كما أنّ الإسلام شرط فيها ؛ إذ لو كانت صحيحةً لاستحقّ عليها الثواب ، وهو لا يحصل إلا في الآخرة بالجنّة ، وشرط دخولها عندنا الإيمان إجماعاً. ولأنّ جلّ المخالفين أو كلّهم لا يصلّون بجميع الشرائط المعتبرة عندنا ، وقد وقع الاتّفاق ودلّت النصوص على بطلان الصلاة بالإخلال بشرطٍ أو فعل منافٍ من غير تقييد. وما ذكروه هنا من عدم وجوب الإعادة عليه لو استبصر لا يدلّ على صحّة عبادته في نفسها ، بل إنّما دلّ على عدم وجوب إعادتها ، وأحدهما غير الآخر ، وحينئذٍ فعدم الإعادة تفضّل من الله تعالى ، وإسقاط لما هو واجب استتباعاً للإيمان الطارئ ، كما أسقط عن الكافر ذلك بإسلامه ، فإذا مات المخالف على خلافه ، عذّب عليها ، كما يعذّب الكافر.
فإن قيل : الكافر يسقط عنه قضاء العبادة وإن كان قد تركها ، وهنا إنّما يسقط عنه إعادة ما فَعَله صحيحاً دون ما تركه ، بل يجب عليه قضاؤه إجماعاً ، وذلك يقتضي الصحّة.
قلنا : هذا أيضاً لا يدلّ على الصحّة ، بل إنّما دلّ على عدم المساواة بينهما في الحكم شرعاً ، فلا يدلّ على مطلوبهم.
ولعلّ الموجب للفرق بينهما بذلك أنّ الكافر لا يعتقد وجوب الصلاة ، فليس عنده في تركها جرأة على الله تعالى ، فأسقط ذلك الإسلامُ ، بخلاف المسلم المخالف ، فإنّه يعتقد وجوبها والعقاب على تركها ، فإذا فَعَلها على الوجه المعتبر عنده ، كان ذلك منه كترك الكافر ، بخلاف ما لو تركها ، فإنّه قادم على الجرأة والمعصية لله تعالى على كلّ حال ، فلا يسقط عنه القضاء مع دخوله في عموم «مَنْ فاته فريضة فليقضها كما فاتته» (٢).
__________________
(١) هو الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٣٢.
(٢) المعتبر ٢ : ٤٠٦.