بمرضاة الله ، فقد سايرتَ الحقّ منذ نعومة أظفارك ، فلمْ تداهن في دينك ، ولمْ تؤثر رضا أحدٍ على طاعة الله ، قد جاهدتَ وناضلتَ مِن أجل أنْ تعلو كلمة الله في الأرض ، ووقيتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بنفسك ومُهجتك. لقد فزتَ ، وانتصرتْ مبادئك ، وبقيتَ أنت وحدك حديث الدهر بما تركته مِن سيرةٍ مشرقةٍ أضاءت سماء الدنيا ، وغذّت الأجيال بجوهر الحقّ والعدل.
وخفّ الناس مسرعين إلى الجامع حينما أُذيعَ مقتل الإمام (عليه السّلام) ، فوجدوه طريحاً في محرابه وهو يلهج بذكر الله ، قد نزف دمه. ثمّ حُمل إلى داره والناس تعجّ بالبكاء ، وهم يهتفون ـ بذوب الروح ـ : قُتلَ إمام الحقّ والعدل! قُتِلَ أبو الضعفاء وأخو الغرباء! واستقبلته عائلته بالصراخ ، فأمرهنَّ (عليه السّلام) بالخلود إلى الصبر. وغرق الإمام الحسن (عليه السّلام) بالبكاء ، فالتفت إليه الإمام (عليه السّلام) قائلاً : «يا بُني ، لا تبكِ فأنت تُقْتَلُ بالسمّ ، ويُقْتَلُ أخوك الحُسين بالسيف». وتحقّق تنبّؤ الإمام (عليه السّلام) ، فلمْ تمضِ حفنةٌ مِن السنين وإذا بالحسن (عليه السّلام) اغتاله معاوية بالسمّ فذابت أحشاؤه ، وأمّا الحُسين (عليه السّلام) فتناهبت جسمه السيوف والرماح ، وتقطّعت أوصاله على صعيد كربلاء.
ويقول المؤرّخون : إنّ الإمام الحُسين (عليه السّلام) لمْ يكن حاضراً بالكوفة حينما اغتيل أبوه ، وإنّما كان في معسكر النخيلة قائداً لفرقة مِن الجيش الذي أعدّه الإمام (عليه السّلام) لمناجزة معاوية ، وقد أرسل إليه الإمام الحسن (عليه السّلام) رسولاً يعرّفه بما جرى على أبيه ، فقفل راجعاً إلى الكوفة وهو غارق بالأسى والشجون ، فوجد أباه على حافّة الموت ، فألقى بنفسه عليه يوسعه تقبيلاً ، ودموعه تتبلور على خديه.