وأقضي على نفسي إذا الأمر نابني |
|
وفي الناس مَنْ يُقضى عليهِ ولا يقضي |
وألبسُ أثوابَ الحياءِ وقد أرى |
|
مكانَ الغنى ألاّ أهينُ له عرضي |
وقال لرسول معاوية : قل له : والله يا بن آكلة الأكباد ، لا تجد في صحيفتك حسنة أنا سببها أبداً.
وانتشر الفقر في بيوت الأنصار وخيّم عليهم البؤس ، حتّى لمْ يتمكن الرجل منهم على شراء راحلة يستعين بها على شؤونه ، ولمّا حجّ معاوية واجتاز على يثرب استقبله الناس ومنهم الأنصار ، وكان أكثرهم مشاة ، فقال لهم : ما منعكم مِن تلقيِّ كما يتلقّاني الناس؟ فقال له سعيد بن عبادة : منعنا مِن ذلك قلّة الظهر ، وخفّة ذات اليد ، وإلحاح الزمان علينا ، وإيثارك بمعروفك غيرنا.
فقال له معاوية باستهزاء وسخرية : أين أنتم عن نواضح المدينة؟ فسدّد له سعيد سهماً مِن منطقه الفياض قائلاً : نحرناها يوم بدر ، يوم قتلنا حنظلة بن أبي سفيان (١).
لقد قضت سياسة معاوية بنشر المجاعة في يثرب ، وحرمان أهلها مِن الصّلة والعطاء. يقول عبد الله بن الزبير في رسالته إلى يزيد : فلعمري ، ما تؤتينا ممّا في يدك مِن حقّنا إلاّ القليل ، وإنّك لتحبس عنّا منه العريض.
وقد أوعز معاوية إلى الحكومة المركزية في يثرب برفع أسعار المواد الغذائية فيها حتّى تعمّ فيها المجاعة ، وقد ألمع إلى ذلك يزيد في رسالته التي بعثها للمدينين ، ووعدهم فيها بالإحسان إنْ خضعوا لسلطانه ، وقد جاء فيها :
ولهم عليّ عهد أنْ أجعل الحنطة كسعر الحنطة عندنا ، والعطاء
__________________
(١) أنساب الأشراف ١ ق ٢ / ٧٣.