عن إراقة دم عثمان ، فلم يشك الرجل في صدقهم ، فانبرى إلى معاوية وهو يقول له :
يا معاوية ، أين الناس؟ ألا إنّ علياً قتل عثمان. والله إنْ بايعت لنخرجنّك مِن شامنا ولنقتلنّك. فقال معاوية مخادعاً له :
ما كنت لاُخالف عليكم ، ما أنا إلاّ رجل من أهل الشام (١).
بمثل هذا الخداع والبهتان أقام دعائم سلطانه ، وبنى عليه عرش دولته.
٣ ـ ومن ألوان خداعه لأهل الشام أنّه لمّا راسل الزعيم قيس بن سعد يستميله ويمنيه بسلطان العراقيين وبسلطان الحجاز لِمَنْ أحبّ مِن أهل بيته إنْ صار معه ، فردّ عليه قيس بأعنف القول ، فأظهر معاوية لأهل الشام أنّه قد بايع ، وأمرهم بالدعاء له ، واختلق كتاباً نسبه إليه وقد قرأه عليهم ، وهذا نصّه : أمّا بعد ، إنّ قتل عثمان كان حدثاً في الإسلام عظيماً ، وقد نظرت لنفسي وديني فلمْ أرَ بوسعي مظاهرة قومٍ قتلوا إمامهم ، مسلماً محرماً ، براً تقيّاً ، فنستغفر الله لذنوبنا. ألا وإنّي قد ألقيت لكم بالسّلام ، وأحببت قتال قتلة إمام الهدى المظلوم ، فاطلب منّي ما أحببت مِن الأموال والرجال أعجّله إليك (٢).
وبهذه الأساليب المنكرة خدع أهل الشام ، وزج بهم لحرب وصيِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه.
٤ ـ لقد كان الخداع من ذاتيّات معاوية ، ومن العناصر المقوّمة لسياسته ، وقد بهر ولده يزيد حينما بويع ، وكان الناس يمدحونه ، فقال لأبيه :
__________________
(١) شرج نهج البلاغة ١ / ١٢٩.
(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣.