وتسلّم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الإسلاميّة وهو في غضارة العمر ، لمْ تهذّبه الأيام ولمْ تصقله التجارب ، وإنّما كان ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ موفور الرغبة في اللّهو والقنص ، والخمر والنساء وكلاب الصيد ، ومُمْعناً كلّ الإمعان في اقتراف المنكر والفحشاء ، ولم يكن حين هلاك أبيه في دمشق ، وإنّما كان في رحلات الصيد في حوارين الثنية (١) ، فأرسل إليه الضحّاك بن قيس رسالة يعزّيه فيها بوفاة معاوية ويهنئه بالخلافة ، ويطلب منه الإسراع إلى دمشق ليتولّى أزمّة الحكم ، وحينما قرأ الرسالة اتّجه فوراً نحو عاصمته في ركب مِنْ أخواله ، وكان ضخماً كثير الشعر ، وقد شعث في الطريق وليس عليه عمامة ولا متقلّداً بسيف ، فأقبل الناس يسلّمون عليه ويعزّونه ، وقد عابوا عليه ما هو فيه وراحوا يقولون : هذا الأعرابي الذي ولاّه معاوية أمر الناس ، والله سائله عنه (٢).
واتّجه نحو قبر أبيه فجلس عنده وهو باك العين ، وأنشأ يقول :
جاءَ البريدُ بقرطاسٍ يخبُّ بهِ |
|
فأوجسَ القلبُ مِنْ قرطاسهِ فزعا |
قلنا لكَ الويلُ ماذا في كتابكُمُ |
|
قالَ الخليفة أمسى مدنفاً وجعا (٣) |
ثمّ سار متّجها نحو القبّة الخضراء في موكب رسمي تحفّ به علوج أهل الشام وأخواله وسائر بني أُميّة.
__________________
(١) الفتوح ٤ / ٢٦٥.
(٢) تاريخ الإسلام ـ الذهبي ١ / ٢٦٧.
(٣) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٦١.