فبايعهم وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أوّل مَنْ تبدأ به الحُسين بن علي ؛ فإنّ أمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ عهد إليّ في أمره الرفق واستصلاحه (١).
وليس في هذه الرواية ذكر لابن الزّبير وابن عمر ، إذ لمْ تكن لهما أيّة أهميّة في نظر يزيد ، إلاّ إنّا نشك فيما جاء في آخر هذه الرسالة مِنْ أنّ معاوية قد عهد إلى يزيد الرفق بالحُسين واستصلاحه ؛ فإنّ معاوية قد وقف موقفاً [سلبياً] يتّسم بالعداء والكراهية لعموم أهل البيت (عليهم السّلام) ، واتّخذ ضدّهم جميع الإجراءات القاسية كما ألمعنا إلى ذلك في البحوث السابقة ، وأكبر الظنّ أنّ هذه الجملة قد أُضيفت إليها لتبرير معاوية ونفي المسؤولية عنه فيما ارتكبه ولده مِن الجرائم ضدّ العترة الطاهرة.
بقي هنا شيء وهو أنّ هذه الرسالة قد وصفها المؤرّخون كأنّها أُذن فأرة لصغرها ، ولعلّ السبب في إرسالها بهذا الحجم هو أنّ يزيد قد حسِبَ أنّ الوليد سينفّذ ما عهد إليه مِنْ قتل الحُسين وابن الزّبير.
ومِن الطبيعي أنّ لذاك كثيراً مِن المضاعفات السيئة ، ومِنْ أهمها ما يلحقه مِن التذمّر والسّخط الشامل بين المسلمين ، فأراد أنْ يجعل التبعة على الوليد وأنّه لمْ يعهد إليه بقتلهما ، وأنّه لو أمره بذلك لأصدر مرسوماً خاصاً مطوّلاً به.
وحمل الرسالتين زُريق مولاه ، فأخذ يجذ في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى يثرب (٢) ، وكان معه عبد الله بن سعد بن أبي سرح متلثّماً لا يبدو منه إلاّ عيناه ، فصادفه عبد الله بن الزّبير فأخذ بيده وجعل
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٦٨.
(٢) تاريخ الإسلام ـ الذهبي ١ / ٢٦٩ ، تاريخ خليفة بن خيّاط ١ / ٢٢٢ ، وجاء في تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٦٨ وكتب يزيد مع عبد الله بن عمر ، وابن إدريس العامري عامر بن لؤي هذه الرسالة.