وإذا انحرفت عن واجباتها فإنّ الأُمّة تصاب بتدهور سريع في جميع مقوّماتها الفكرية والاجتماعية ، ومِنْ ثمّ فقد عنى الإسلام في شأنها أشدّ ما تكون العناية ، فألزم مَنْ يتصدّى لها بأنْ تتوفّر فيه النزعات الخيّرة والصفات الشريفة من العدالة والأمانة ، والخبرة بما تحتاج إليه الأُمّة في مجالاتها الاقتصادية والإدارية والسياسية ، وحرّم على مَنْ فقد هذه الصفات أنْ يرشّح نفسه للخلافة ،
وقد تحدّث (عليه السّلام) في أولى رسائله إلى أهل الكوفة عن الصفات التي يجب أنْ تتوفّر فيمَنْ يُرشِّح نفسه إلى إمامة المسلمين وإدارة شؤونهم ، قال (عليه السّلام) : «فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحقّ ، والحابس نفسه على ذات الله» (١).
فمَنْ تحلّى بهذه الصفات كان له الحقّ في تقديم نفسه لإمامة المسلمين وخلافتهم ، ومَنْ لمْ يتّصف بها فلا حقّ له في التصدي لهذا المركز الخطير الذي كان يشغله الرسول (صلّى الله عليه وآله).
إنّ الخلافة الإسلاميّة ليست مجرّد سلطة زمنية على الأُمّة ، وإنّما هي نيابة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) وامتداد ذاتي لحكومته المشرقة. وقد رأى الإمام الحُسين أنّ مركز جدّه قد صار إلى سكّير مستهتر لا يعي إلاّ شهواته ورغباته ، فثار (عليه السّلام) ليعيد للخلافة الإسلاميّة كيانها المشرق وماضيها الزاهر.
__________________
(١) الطبري ٦ / ١٩٧.