ـ إذا أتيت مكّة فاحذر أنْ يغرّك أهل الكوفة ؛ فيها قُتِلَ أبوك ، وأخوك طعنوه بطعنة كادت أنْ تأتي على نفسه ، فالزم الحرم فإنّك سيد العرب في دهرك ، فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.
وشكره الإمام وودّعه ودعا له بخير (١) ، وسار موكب الإمام يجدّ السير لا يلوي على شيء حتّى انتهى إلى مكّة ، فلمّا نظر الإمام (عليه السّلام) إلى جبالها تلا قوله تعالى : «وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ» (٢).
__________________
(١) المنتظم ـ ابن الجوزي ـ الجزء الخامس ، الفتوح ٥ / ٣٤ ، وجاء في تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٥٥ أنّ الحُسين مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئراً ، فقال له : إلى أين فداك أبي وأمي ، فقال له : «أردت مكّة». وذكر له كتب أهل الكوفة إليه ، فقال ابن مطيع : فداك أبي وأمي! متّعنا بنفسك ولا تسرِ إليهم. فأبى الحُسين. ثمّ قال له ابن مطيع : إنّ بئري هذه قد رسحتها ، وهذا اليوم أوان تمامها قد خرج إلينا في الدلو شيء مِن مائها ، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة ، فقال (عليه السّلام) : «هات مِن مائها». فأتاه منه فشرب منه وتمضمض وردّه في البئر ، فعذب ماؤها. وجاء في وسيلة المال في عدّ مناقب الآل ـ صفي الدين / ١٨٥ : أنّ عبد الله لقى الحُسين (عليه السّلام) فقال له : جعلت فداك أين تريد؟ فقال : «أمّا الآن فمكّة ، وأمّا بعدها فأستخير الله». فقال : خار الله لك وجعلنا فداك! الزم الحرم فإنّك سيد العرب ، لا يعدل بك أهل الحجاز أحداً ، وتتداعى إليك الناس مِنْ كلّ جانب. لا تفارق الحرم فداك عمّي وخالي ، فوالله إنْ هلكت لنسترقنَّ بعدك.
(٢) الفتوح ٥ / ٣٧.