الإجراءات الصارمة ولمْ يكرهه على ما لا يحبّ ، وإنّما فسح له المجال في الرحيل إلى مكّة مِنْ دون أنْ يعوّقه عنها ، في حين قد أصرّ عليه مروان بالتنكيل به فرفض ذلك ، وقد نقل الاُمويّون موقفه المتّسم باللين والتسامح مع الحُسين إلى يزيد فغضب عليه وعزله عن ولايته (١) ، وقد عهد بها إلى جبّار مِنْ جبابرة الاُمويِّين عمرو بن سعيد الأشدق (٢) وقد عُرِفَ بالقسوة والغلظة ، فقدم إلى المدينة في رمضان بعد أنْ تسلّم ولايته عليها فصلّى بالناس صلاة العتمة.
وفي الصباح خرج على الناس وعليه قميص أحمر وعمامة حمراء ، فرماه الناس بأبصارهم منكرين ما هو عليه ، فصعد المنبر فقال : يا أهل المدينة ، ما لكم ترموننا بأبصاركم كأنّكم تقروننا سيوفكم؟ أنسيتم ما فعلتم! أما لو انتقم في الأولى ما عدتم إلى الثانية ، أغرّكم إذ قتلتم عثمان فوجدتموه صابراً حليماً وإماماً ، فذهب غضبه وذهبت ذاته فاغتنموا أنفسكم ، فقد وليكم إمام بالشباب المقتبل البعيد الأمل ، وقد اعتدل جمسه واشتدّ عظمه ، ورمى الدهر ببصره واستقبله بأسره ، فهو إنْ عضّ لهس وإنْ وطيء فرس ، لا يقلقه الحصى ولا تقرع له العصا.
وعرض في خطابه لابن الزّبير فقال : فو الله لنغزونّه ، ثمّ لئن دخل الكعبة لنحرقنّها عليه على رغم
__________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ١٤٨.
(٢) الأشدق : لقّب بذلك لتشادقه الكلام. وقيل : إنّما لقّب بذلك لأنّه كان أفقم مائل الذقن ، جاء ذلك في البيان والتبيين ١ / ٣١٥ ، وقيل : إنّما لقّب بذلك لأنّه أصابه اعوجاج في حلقه لإغراقه في شتم علي ، جاء ذلك في معجم الشعراء / ٢٣١.