«اُفٍ لهذا الكلام أبداً ما دامت السماوات والأرض! أسألك يا عبد الله ، أنا عندك على خطأ مِنْ أمري؟ فإنْ كنت على خطأ ردّني فأنا أخضع وأسمع وأطيع».
فقال ابن عمر : اللّهم لا ، ولمْ يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسول الله على خطأ ، وليس مثلك مِنْ طهارته وصفوته مِنْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على مثل يزيد بن معاوية ، ولكنْ أخشى أنْ يُضربَ وجهُك هذا الحسن الجميل بالسيوف وترى مِنْ هذه الاُمّة ما لا تحبّ ، فارجع معنا إلى المدينة ، وإنْ لمْ تحبّ أنْ تبايع فلا تبايع أبداً واقعد في منزلك.
والتفت إليه الإمام فأخبره عن خبث الاُمويِّين وسوء نواياهم نحوه قائلاً : «هيهات يابن عمر! إنّ القوم لا يتركوني وإنْ أصابوني ، وإنْ لمْ يصيبوني فلا يزالون حتّى اُبايع وأنا كاره أو يقتلوني. أما تعلم يا عبد الله ، إنّ مِنْ هوان الدنيا على الله تعالى أنّه اُتي برأس يحيى بن زكريا إلى بغي مِنْ بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم؟! أما تعلم يا أبا عبد الرحمن ، إنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلّهم كأنّهم لمْ يصنعوا شيئاً ، فلمْ يعجّل الله عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟!» (١)
وكشفت هذه المحاورة عن تصميمه على الثورة وعزمه على مناجزة يزيد ؛ لأنّه لا يتركه وشأنه ؛ فإمّا أنْ يبايعَ وبذلك يذلّ هو ويذلّ الإسلام
__________________
(١) الفتوح ٥ / ٣٨ ـ ٤٢.