وتطاولت الأعناق واشرأبت النفوس لتسمع ما يقول الزعيم الكبير ، وانبرى قائلاً : إنّ معاوية مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا إنّه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظن أنّه قد أحكمه ، وهيهات الذي أراد! اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلّة علم ، لا يعرف مِن الحقّ موطأ قدميه ، فاُقسم بالله قسماً مبروراً لَجهاده على الدين أفضل مِنْ جهاد المشركين.
وهذا الحُسين بن علي وابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل (١) ، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويُحسن إلى الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحقّ ولا تسكعوا في وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونصرته ، والله ، لا يقصّر أحدكم عن نصرته إلاّ أورثه الله الذلّ في ولْده والقلّة في عشيرته.
وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها وادّرعت لها بدرعها. مَنْ لمْ يُقتل يمت ، ومَنْ يهرب لمْ يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.
وحفل هذا الخطاب الرائع بأمور بالغة الأهمية ، وهي :
أولاً : الاستهانة بهلاك معاوية ، وإنّه قد انكسر بموته باب الظلم والجور.
__________________
(١) الرأي الأثيل : الأصيل.