ولمّا انتهى إلى باب القصر وجده مغلقاً والنعمان بن بشير مشرف مِنْ أعلا القصر ، وكان قد توهّم أنّ القادم هو الحُسين ؛ لأنّ أصوات الناس قد تعالت بالترحيب به والهتاف بحياته ، فانبرى يخاطبه : ما أنا بمؤدٍ إليك أمانتي يا بن رسول الله ، ومالي في قتالك مِنْ إرب.
ولمس ابن مرجانة في كلام النعمان الضعف والانهيار فصاح به بنبرات تقطر غيظاً : افتحْ لا فتحت ، فقد طال ليلك. ولمّا تكلم عرفه بعض مَنْ كان خلفه فصاح بالناس : إنّه ابن مرجانة وربّ الكعبة!
ومِن الغريب أنّ ذلك المجتمع لمْ يُميّز بين الإمام الحُسين وبين ابن مرجانة ، مع أنّ كلاً منهما قد عاش فترة في ديارهم ؛ ولعلّ الذي أوقعهم في ذلك تغيير ابن زياد لبزّته ولبسه للعمامة السوداء.
وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الناس حينما علموا إنّه ابن زياد جفلوا وخفّوا مسرعين إلى دورهم وهم يتحدّثون عمّا عانوه مِن الظلم والجور أيّام أبيه ، وقد أوجسوا مِنْ عبيد الله الشرّ.
وبادر ابن زياد في ليلته فاستولى على المال والسّلاح ، وأنفق ليله ساهراً قد جمع حوله عملاء الحكم الاُموي ، فأخذوا يحدّثونه عن الثورة ويعرّفونه بأعضائها البارزين ، ويضعون معه المخططات للقضاء عليها.
__________________
= وقد وقفت عليه غير مرّة ، وتطلّعت إلى كثير مِنْ معالمه ، ففي بعض أبوابه الرئيسة مظلاّت لحرّاس القصر قد ردمت ولمْ يبقَ منها إلاّ بعض معالمها ، وفي جانب منه بعض الغرف التي اُعدّت للسجن ، وقد صُمّمت بشكل غريب ، وفي جانب منه مطابخ القصر ـ ولم يشر الاُستاذ الجنابي إليها ـ وقد اُحكم بناء القصر حتّى كان مِن المتعذّر اقتحامه والاستيلاء عليه.