وإنْ شئت أخذت بيعتي قبل لقائي إيّاه.
فقال مسلم : لقد سرّني لقاؤك إيّاي لتنال الذي تحبّ وينصر الله بك أهل نبيّه ، وقد ساءني معرفة الناس إيّاي مِنْ قبل أنْ يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته ، ثمّ أخذ منه البيعة وأخذ منه المواثيق المغلّظة على النصيحة وكتمان الأمر (١).
وفي اليوم الثاني أدخله على مسلم فبايعه ، وأخذ منه المال وأعطاه إلى أبي ثمامة الصائدي ؛ وكان قد عيّنه لقبض المال ليشتري به السلاح والكراع.
وكان معقل ـ فيما يقول المؤرّخون ـ أوّل مَنْ يدخل على مسلم وآخر مَنْ يخرج منه ، وجميع البوادر والأحداث التي تصدر ينقلها بتحفّظ في المساء إلى ابن زياد (٢) حتى وقف على جميع أسرار الثورة.
مع أعضاء الثورة :
والذي يواجه أعضاء الثورة مِن المؤاخذات ما يلي :
أولاً : إنّ معقلاً كان مِنْ أهل الشام الذين عُرِفوا بالبغض والكراهية لأهل البيت (عليهم السّلام) والولاء لبني أُميّة والتفاني في حبّهم ، فما معنى الركون إليه؟
ثانياً : إنّ اللازم التريّب حينما أعطى المال لمسلم بن عوسجة وهو يبكي ، فما معنى بكاؤه أو تباكيه؟ أليس ذلك ممّا يوجب الرّيب في شأنه؟
ثالثاً : إنّه حينما اتّصل بهم كان أوّل داخل وآخر خارج ، فما معنى هذا الاستمرار والمكث الطويل في مقرّ القيادة العامّة؟ أليس ذلك ممّا يوجب الشك في أمره؟
لقد كان الأولى بالقوم التحرّز منه ، ولكنّ القوم قد خدعتهم المظاهر المزيقة. ومِن الحقّ ، أنّ هذا الجاسوس كان ماهراً في صناعته وخبيراً فيما انتدب إليه.
__________________
(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٦٩.
(٢) الأخبار الطوال / ٢١٥.