وأسقط ما في يدي هانئ وأطرق برأسه إلى الأرض ، ولكنْ سرعان ما سيطرت شجاعته على الموقف فانتفض كالأسد ، وقال لابن مرجانة : قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عندي (١) ، تشخص لأهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم فإنّه جاء حقّ مَنْ هو أحقّ مِنْ حقّك وحقّ صاحبك (٢).
فثار ابن زياد وصاح به : والله ، لا تفارقني حتّى تأتيني به.
وسخر منه هانئ ، وأنكر عليه قائلاُ له مقالة الرجل الشريف : لا آتيك بضيفي أبداً.
ولمّا طال الجدال بينهما انبرى إلى هانئ مسلم بن عمر الباهلي وهو مِنْ خدّام السلطة ، ولمْ يكن رجل في المجلس غريب غيره ، فطلب مِن ابن زياد أنْ يختلي بهانئ ليقنعه فأذن له ، فقام وخلا به ناحية بحيث يراهما ابن زياد ويسمع صوتهما إذا علا.
وحاول الباهلي إقناع هانئ فحذّره مِنْ نقمة السلطان ، وإنّ السلطة لا تنوي السوء بمسلم قائلاً : يا هانئ ، أنشدك الله أنْ تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك ، إنّ هذا الرجل ـ يعني مسلماً ـ ابن عمّ القوم وليسوا بقاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليه فليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ؛ إنّما تدفعه إلى السلطان.
__________________
(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧١.
(٢) مروج الذهب ٣ / ٧ ، سمط النجوم العوالي ٣ / ٦١ تايخ الإسلام ـ الذهبي ٢ / ٢٦٩ وروي كلامه بصورة أخرى وهي تخالف ما رواه مشهور المؤرّخين.