ـ اسقني ماءً.
فبادرت إلى دارها وجاءته بالماء فشرب منه ، ثمّ جلس ، فارتابت منه ، فقالت له : ألمْ تشرب الماء؟
ـ بلى.
ـ اذهب إلى أهلك إنّ مجلسك مجلس ريبة (١).
وسكت مسلم ، فأعادت عليه القول بالانصراف وهو ساكت ، وكرّرت عليه القول ثالثاً فلمْ يجبها ، فذعرت منه وصاحت به : سُبحان الله! إنّي لا أحل لك الجلوس على بابي.
ولمّا حرّمت عليه الجلوس لمْ يجد بداً مِن الانصراف فقال لها بصوت خافت حزين النبرات : ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر ومعروف؟ ولعلّي اُكافئك بعد اليوم.
وشعرت المرأة بأنّ الرجل غريب ، وأنّه على شأن كبير وله مكانة عظمى يستطيع أنْ يجازيها على معروفها وإحسانها ، فبادرته قائلة : ما ذاك؟ فقال لها وعيناه تفيضان دموعاً : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني القوم وغرّوني.
فقالت المرأة في دهشة وإكبار : أنت مسلم بن عقيل؟!
ـ نعم (٢).
__________________
(١) تذهيب التهذيب ـ الذهبي ١ / ١٥١.
(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٢.