ولو كانت عند مذحج صبابة مِن الشرف والنبل لانبرت إلى إنقاذ زعيمها ، ولكنّها كانت كغيرها مِنْ قبائل الكوفة قد طلّقت المعروف ثلاثاً.
وعمد هانئ إلى إخراج يده مِن الكتاف وهو يطلب السلاح ليدافع به عن نفسه ، فلمّا بصروا به بادروا إليه فأوثقوه كتافاً ، وقالوا له : امدد عنقك. فأجاب برباطة جأش ورسوخ يقين : لا والله ، ما كنت بالذي أعينكم على نفسي.
وانبرى إليه وغد مِنْ شرطة ابن زياد يُقال له رشيد التركي (١) فضربه بالسيف فلمْ يصنع به شيئاً ، ورفع هانئ صوته قائلاً : اللّهم إلى رحمتك ورضوانك. اللّهم ، اجعل هذا اليوم كفّارة لذنوبي ؛ فإنّي إنّما تعصّبت لابن بنت محمّد.
وضربه الباغي ضربة أخرى فهوى إلى الأرض يتخبّط بدمه الزاكي ، ولمْ يلبث قليلاً حتّى فارق الحياة (٢) ، وكان عمره يوم استشهد تسعاً وتسعين سنة (٣) ، وقد مضى شهيداً دون مبادئه وعقيدته ، وجزع لقتله الأحرار والمصلحون.
وقد رثاه أبو الأسود الدؤلي بقوله :
__________________
(١) وقد ثار لدم هانئ عبدُ الرحمن بن حصين فقتل رشيداً ، وفي ذلك يقول :
إنّي قتلتُ راشد التركيّا |
|
وليته أبيض مشرفيّا |
أرضى بذلك النّبيا
جاء ذلك في أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٥٥.
(٢) الدر النظيم / ١٦٠ ، مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، أنساب الأشراف ١ ق ١.
(٣) مرآة الزمان / ٨٥.