ولا يصدق قولهم (١).
لقد كان الجانب العملي في حياتهم هو التقلّب والتردّد والتخاذل ، وقد غرّوا زيد بن علي الثائر العظيم فقالوا له : إنّ معك مئة ألف رجل مِنْ أهل الكوفة يضربون دونّك بأسيافهم (٢) ، وقد أحصى ديوانه منهم خمسة عشر ألفاً كانوا قد بايعوه على النصرة (٣) ، ثمّ لمّا أعلن الثورة هبط عددهم إلى مئتي وثمانية عشر رجلاً (٤).
وقد نصح داود بن علي زيداً بأنْ لا ينخدع بأهل الكوفة ، فقال له : يابن عمّ ، إنّ هؤلاء يغرّونك مِنْ نفسك ؛ أليس قد خذلوا مَنْ كان أعزّ عليهم منك جدّك علي بن أبي طالب حتّى قُتِلَ؟ والحسن مِنْ بعده بايعوه ثمّ وثبوا عليه فانتزعوا رداءه مِنْ عنقه ، وانتهبوا فسطاطه وجرحوه؟ أو ليس قد أخرجوا جدّك الحُسين وحلفوا له بأوكد الأيمان ثمّ خذلوه وأسلموه ، ثمّ لمْ يرضوا بذلك حتّى قتلوه (٥)؟
وكانوا ينكثون البيعة بعد البيعة ، وقد ألمع إلى هذه الظاهرة أعشى همدان الذي كان شاعر ثورة محمّد بن الأشعث الذي ثار على الحجّاج ، يقول داعياً على أهل الكوفة :
أبى اللهُ إلاّ أنْ يتمّمَ نورَهُ |
|
ويُطفئَ نورَ الفاسقين فيخمدا |
ويُنزل ذلاً بالعراقِ وأهلهِ |
|
لما نقضوا العهد الوثيق المؤكّدا |
وما أحدثوا مِنْ بدعةٍ وعظيمةٍ |
|
مِن القول لمْ تصعد إلى الله مصعدا |
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ٢٣٨.
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٣ / ١٦٧٧.
(٣) الطبري ٢ / ٣ / ١٦٨٥.
(٤) (٥) الطبري ٢ / ٣ / ١٦٧٩.