بالاتفاق عليها ، وقد عانى بعضهم الحرمان والبؤس. وقد صوّر الشاعر الأسدي سوء حياته الاقتصادية بقصيدة يمدح بها بعض نبلاء الكوفة لينال مِنْ معروفه وكرمه ، يقول فيها :
يا أبا طلحةَ الجواد أغثني |
|
بسجالٍ مَنْ سيبكَ المقسومْ |
أحيي نفسي فدتك نفسي فإنّي |
|
مفلسٌ قد علمتَ ذاك عديمْ |
أو تطوع لنا بسلتِ دقيقٍ |
|
أجرهُ إنْ فعلت ذاك عظيمْ |
قد علمتمْ فلا تعامس عنّي |
|
ما قضى الله في طعام اليتيمْ |
ليس لي غيرُ جرّةٍ وأصيصٍ |
|
وكتابٍ منمنمٍ كالوشومْ |
وكساءٍ أبيعهُ برغيفٍ |
|
قد رقعنا خروقَهُ بأديمْ |
وأكافٍ أعارنيه نشيطٍ |
|
هو لحافٌ لكلِّ ضيفٍ كريمْ (١) |
أرأيت هذا الفقر المدقع الذي دعا الشاعر إلى هذا الاستعطاف والتذلل ، إنها مشكلة الفقر الذي أخذ بخناقه.
وعلّق شوقي ضيف على هذه الأبيات بقوله : ومِنْ هنا ارتفع صوت المال في القصيدة الاُمويّة ، واحتلّ جوانب غير قليلة منها ؛ فقد كان أساسياً في حياة الناس ، فطبيعي أنْ يكون أساسياً في فنّهم وشعرهم. أليس دعامة هامّة مَن دعائم الحياة؟! فلمْ لا يكون دعامة هامّة مِنْ دعائم البناء الفنّي؟ إنّه يستنر في قاع الحياة وقاع الشعر ؛ لأنّ الشعر إنّما هو تعبير عن الحياة (٢).
إنّ الحياة الاقتصادية تؤثّر أثراً عميقاً وفعّالاً في كيان المجتمع ، وتلعب دوراً خطيراً في توجيه المجتمع نحو الخير أو الشرّ ؛ وقد ثبت أنّ كثيراً مِن الجرائم التي يقترفها بعض المصابين في سلوكهم إنّما جاءت نتيجة لفقرهم وبؤسهم ، أو لجشعهم على تحصيل المادة ، وقد اندفع أكثر الجيش
__________________
(١) حياة الحيوان ـ الجاحظ ٥ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩.
(٢) التطور والتجدد في الشعر الاُموي / ١٣٤.