البلاء وأقواه ، ولمْ يكن معاوية بأقلّ تنكّراً للإسلام وبغضاً لأهله مِنْ أبيه ، وكان المسلمون الأوّلون ينظرون إليهما نظرة ريبة وشك في إسلامهما ، وقد استطاع بمكره ودهائه أنْ يغزو قلب الخليفة الثاني ، ويحتل المكانة المرموقة في نفسه فجعله والياً على الشام ، وظلّ يبالغ في تسديده وتأييده ، وبعد وفاته أقرّه عثمان وزاد في رقعة سلطانه.
وظلّ معاوية في الشام يعمل عمل مَنْ يريد المُلْك والسلطان ، فأحاط نفسه بالقوّة واشترى الضمائر ، وسخّر اقتصاد بلاده في تدعيم سلطانه ، وبعد الأحداث التي ارتكبها عثمان علم معاوية أنّه مقتول لا محالة ، فاستغاث به عثمان حينما حوصر فأبطأ في نصره ، وظلّ متربصاً حتّى قُتِلَ ليتّخذ مِنْ قميصه ودمه وسيلة للتشبث بالمُلْك ، وقد دفعه إلى ذلك حرب الجمل التي كان شعارها المطالبة بدم عثمان ، فاتّخذه خير وسيلة للتذرّع لنيل المُلْك.
ويقول المؤرّخون : إنّه استعظم قتل عثمان وهول أمره ، وراح يبني مُلْكه على المطالبة بدمه.
وكان الإمام (عليه السّلام) محتاطاً في دينه كأشدّ ما يكون الاحتياط فلمْ يصانع ولمْ يحاب ، وإنّما سار على الطريق الواضح ، فامتنع أنْ يستعمل معاوية على الشام لحظة واحدة ؛ لأنّ في إقراره على منصبه تدعيماً للظلم وتركيزاً للجور.
وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الإمام (عليه السّلام) بعد حرب الجمل قد غادر البصرة مع قواته المسلحة ، واتّجه إلى الكوفة ليتّخذها عاصمة ومقرّاً له. واتّجه فور قدومه إليها يعمل على تهيئة وسائل الحرب لمناهضة عدوّه العنيف الذي يتمتّع بقوى عسكرية هائلة أجمعت على حبّه ونصرته ، وكان الشنّي يحرّض الإمام (عليه السّلام) ويحفزّه على حرب أهل الشام بعد ما أحرزه مِن النصر في وقعة الجمل ، وقد قال له :
قل لهذا الإمام قد خبت الحر |
|
بُ وتمّت بذلك النعماءُ |
وفرغنا من حرب مَنْ نكث العهْـ |
|
ـد وبالشام حيّةٌ صمّاءُ |