أنْ لا يخوض معهم في ميدان الخصومة والنزاع حتّى يأتيه ، إلاّ أنّه لمْ يجد بداً من الحوار معهم ، وبينما هو يحاورهم إذ أطلّ عليهم الإمام (عليه السّلام) فنهى ابن عباس عن مناظرتهم ، وأقبل عليهم فقال لهم : «اللهمّ ، إنّ هذا مقام مَنْ أفلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة ، ومَنْ نطق وأوعث فيه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً». ثم قال لهم : «مَنْ زعيمكم؟».
ـ ابن الكواء.
ـ «ما أخرجكم علينا؟».
ـ حكومتكم يوم صفّين.
ـ «أنشدكم بالله ، أتعلمون أنّهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله ، قلتُ لكم : إنّي أعلم بالقوم منكم ؛ إنّهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إنّي صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً ، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال. امضوا على حقّكم وصدقكم ، فإنّما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودهناً ومكيدة ، فرددتم عليّ رأيي وقلتم : لا ، بل نقبل منهم. فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إيّاي ، فلمّا أبيتم إلاّ الكتاب اشترطت على الحكمين أنْ يحييا ما أحيا القرآن ، وأنْ يميتا ما أمات القرآن ، فإنْ حكما بحكم القرآن فليس لنا أنْ نخالف حكماً يحكم بما في القرآن ، وإنْ أبيا فنحن من حكمها براء».
وأبطلت هذه الحجّة النيرة جميع أوهامهم ، فهم المسؤولون عن التحكيم ، كما هم مسؤولون عن كلّ ما حدث من الفتنة والفساد ، وليس للإمام (عليه السّلام) ظلع في ذلك ، وأيقنوا أنّ الذنب ذنبهم ، وليس على الإمام (عليه السّلام) أي تبعة في ذلك ، فقالوا له : أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟