الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بى طائفة فتهتدى بى ، وتعشو إلى ضوئى ، وذلك أحبّ إلىّ من أن أقتلها على ضلالها ، وإن كانت تبوء بآثامها.
٥٦ ـ ومن كلام له عليه السّلام
ولقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا : ما يزيدنا ذلك إلاّ إيمانا وتسليما ومضيّا على اللّقم (١) وصبرا على مضض الألم ، وجدّا فى جهاد العدوّ. ولقد كان الرّجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان أنفسهما (٢) أيّهما يسقى صاحبه كأس المنون : فمرّة لنا من عدوّنا ، ومرّة لعدوّنا منّا ، فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت (٣) وأنزل علينا النّصر ، حتّى استقرّ الإسلام ملقيا جرانه (٤) ، ومتبوّئا
__________________
واختلفوا فى سبب التريث ، فقال بعضهم : كراهة الموت ، وذهب بعضهم إلى الشك فى جواز قتال أهل الشام ، فأجابهم : أما الموت فلم يكن ليبالى به ، وأما الشك فلا موضع له ، وإنما يرجو بدفع الحرب أن ينحازوا إليه بلا قتال ، فان ذلك أحب إليه من القتال على الضلال ، وإن كان الاثم عليهم ، وتبوء بآثامها : ترجع بها ، وتعشو إلى ضوئه : تستدل عليه ـ وإن كان ببصر ضعيف ـ فى ظلام الفتن فتهتدى إليه. عشا إلى النار وعشاها ـ من باب نصر ـ عشوا ـ بفتح فسكون كقول ـ وعشو ـ بضمتين مثل سمو ـ أى : أبصرها ليلا ببصر ضعيف فقصدها مستضيئا راجيا الهدى أو القرى
(١) اللقم ـ بالتحريك وبوزن صرد أيضا ـ : معظم الطريق أو جادته ، ويقال : عليك بلقم الطريق فالزمه ، ويقال أيضا : لقم الطريق ـ من باب نصر ـ إذا سد فمه. ومضض الألم : لذعته وبرحاؤه
(٢) يتخالسان : كل منهما يطلب اختلاس روح الآخر ، والتصاول : أن يحمل كل قرن على قرنه
(٣) الكبت : الذل والخذلان ، وفعله من باب ضرب
(٤) جران البعير ـ بالكسر ـ مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره