خيفة على نفسه (١) أشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال. اليوم توافقنا على سبيل الحقّ والباطل ، من وثق بماء لم يظمأ
٥ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وخاطبه العباس وأبو سفيان ابن حرب فى أن يبايعا له بالخلافة أيّها النّاس ، شقّوا أمواج الفتن بسفن النّجاة ، وعرّجوا عن طريق المنافرة وضعوا تيجان المفاخرة (٢) أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح (٣) ، هذا ماء آجن (٤) ولقمة يغصّ بها آكلها. ومجتنى الثّمرة لغير وقت إيناعها
__________________
(١) يتأسى بموسى عليه السلام ، إذ رموه بالخيفة ، ويفرق بين الواقع وبين ما يزعمون ، فانه لا يخاف على حياته ولكنه يخاف من غلبة الباطل ، كما كان من نبى اللّه موسى ، وهو أحسن تفسير لقوله تعالى : (فأوجس فى نفسه خيفة موسى) وأفضل تبرئة لنبى اللّه من الشك فى أمره
(٢) قلب قصد به المبالغة ، والقصد ضعوا تيجان المفاخرة رءوسكم. وكأنه يقول : طأطئوا رءوسكم تواضعا ، ولا ترفعوها بالمفاخرة إلى حيث تصيبها تيجانها. ويروى وضعوا تيجان المفاخرة بدون لفظ «عن» وهو ظاهر ، وعرج عن الطريق : مال عنه وتنكبه
(٣) المفلح أحد رجلين : إما ناهض للأمر بجناح ، أى : بناصر ومعين يصل بمعونته إلى ما نهض إليه ، وإما مستسلم يريح الناس من المنازعة بلا طائل ، وذلك عند عدم الناصر. وهذا ينحو نحو قول عنترة لما قيل له : إنك أشجع العرب ، فقال : لست بأشجعهم ، ولكنى أقدم إذا كان الاقدام عزما ، وأحجم إذا كان الاحجام حزما
(٤) الآجن : المتغير الطعم واللون لا يستساغ ، والاشارة إلى الخلافة ، أى : أن الامرة على الناس والولاية على شئونهم مما لا يهنأ لصاحبه ، بل ذلك أمر يشبه تناوله تناول الماء الآجن ، ولا تحمد عواقبه : كاللقمة يغص بها آكلها فيموت بها