٦٩ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
فى ذم أهل العراق
أمّا بعد يا أهل العراق فإنّما أنتم كالمرأة الحامل! حملت فلمّا أتمّت أملصت (١) ومات قيّمها ، وطال تأيّمها ، وورثها أبعدها (٢) أما واللّه ما أتيتكم اختيارا ، ولكن جئت إليكم سوقا (٣) ولكنّى بلغنى أنّكم تقولون : علىّ يكذب! قاتلكم اللّه ، فعلى من الكذب؟ أعلى اللّه؟ فأنا أوّل من آمن به! أم على نبيّه؟ فأنا أوّل من صدّقه (٤). كلاّ واللّه ، ولكنّها لهجة غبتم عنها (٥)
__________________
(١) أملصت : ألقت ولدها ميتا
(٢) قيمها : زوجها ، وتأيمها : خلوها من الأزواج ، يريد انهم لما شارفوا استئصال أهل الشام وبدت لهم علامات الظفر بهم جنحوا إلى السلم إجابة لطلاب التحكيم ، فكان مثلهم مثل المرأة الحامل ، لما أتمت أشهر حملها ، ألقت ولدها بغير الدافع الطبيعى ، بل بالحادث العارضى كالضربة والسقطة ، وقلما تلقيه كذلك إلا هالكا ، ولم يكتف فى تمثيل خيفتهم فى ذلك حتى قال : ومات مع هذه الحالة زوجها ، وطال ذلها بفقدها من يقوم عليها ، حتى إذا هلكت عن غير ولد ورثها الأباعد السافلون فى درجة القرابة ممن لا يلتفت إلى نسبه
(٣) يقسم أنه لم يأت العراق مستنصرا بأهله اختيارا لتفضيله إياهم على من سواهم ، وإنما سيق إليهم بسائق الضرورة ، فانه لو لا وقعة الجمل لم يفارق المدينة المنورة ، ويروى هذا الكلام بعبارة أخرى وهى «ما أتيتكم اختيارا ولا جئت إليكم شوقا» بالشين المعجمة
(٤) كان كرم اللّه وجهه كثيرا ما يخبرهم بما لا يعرفون ، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، فيقول المنافقون من أصحابه : إنه يكذب! كما كان المنافقون يقولون مثل ذلك للنبى صلّى اللّه عليه وسلم ، فهو يرد عليهم قولهم بأنه أول من آمن باللّه وصدق برسوله فكيف يجترئ على الكذب على اللّه أو على رسوله مع قوة إيمانه وكمال يقينه؟ ولا يجتمع كذب وإيمان صحيح!
(٥) «لهجة غبتم عنها» أى : ضرب من الكلام أنتم فى غيبة عنه ، أى : بعد عن معناه ، ونبو طبع عما حواه ، فلا تفهمونه ، ولهذا تكذبونه