منها : حتّى يظنّ الظّانّ أنّ الدّنيا معقولة على بنى أميّة (١) تمنحهم درّها وتوردهم صفوها ، ولا يرفع عن هذه الأمّة سوطها ، ولا سيفها ، وكذب الظّانّ لذلك : بل هى مجّة من لذيذ العيش (٢) يتطعّمونها برهة ، ثمّ يلفظونها جملة
٨٦ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أمّا بعد ، فإنّ اللّه لم يقصم جبّارى دهر قطّ (٣) إلاّ بعد تميّل ورخاء ، ولم يجبر عظم أحد من الأمم إلاّ بعد أزل وبلاء ، وفى (٤) دون ما استقبلتم من عتب ، وما استدبرتم من خطب ، معتبر! وما (٥) كلّ ذى قلب بلبيب ، ولا كلّ ذى سمع بسميع ، ولا كلّ ناظر ببصير ، فيا عجبى ـ وما لى لا أعجب ـ من خطإ
__________________
(١) مقصورة عليهم ، مسخرة لهم ، كأنهم شدوها بعقال كالناقة «تمنحهم درها» أى : لبنها
(٢) مجة ـ بضم الميم ـ واحدة المج ـ بضمها أيضا ـ وهى نقط العسل أى : قطرة عسل تكون فى أفواههم كما تكون فى فم النحلة يذوقونها زمانا ثم يقذفونها وهذا التفسير أفضل من تفسير المجة ـ بالفتح ـ بالواحدة من مصدر «مج الشراب من فيه» إذا رمى به
(٣) يقصم : يهلك ، وحد القصم الكسر
(٤) جبر العظم طبه بعد الكسر حتى يعود صحيحا ، والأزل ـ بالفتح ـ الشدة
(٥) العتب ـ بسكون التاء ـ يريد منه عتب الزمان ، مصدر «عتب عليه» إذا وجد عليه ، وإذا وجد الزمان على شخص اشتد عليه وقهره ، والأصح أنه بتحريك التاء : إما مفرد بمعنى الأمر الكريه والفساد ، أو جمع عتبة ـ بالتحريك ـ بمعنى الشدة. يقال : «ما فى هذا الأمر رتبة ولا عتبة» أى : شدة. أى : إنكم لجديرون أن تعتبروا بأقل من الشدة المقبلة عليكم بعد ضعف أمركم وأقل من الخطب العظيم الذى مر بكم ، فكيف بمثل هذه الأمور الجسام ، فأنتم أجدر أن تعتبروا بها؟؟