الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب ، وغرض مطلوب ، وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجودا فى النار نعوذ باللّه منها ، فلم يجز أن يقول «والسبقة النار» بل قال «والغاية النار» ، لأن الغاية ينتهى إليها من لا يسره الانتهاء ومن يسره ذلك ، فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا ، فهى فى هذا الموضع كالمصير والمآل ، قال اللّه تعالى : «قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى اَلنّٰارِ» ولا يجوز فى هذا الموضع أن يقال : سبقتكم ـ بسكون الباء ـ إلى النار ، فتأمل ذلك فباطنه عجيب وغوره بعيد. وكذلك أكثر كلامه عليه السلام ، وفى بعض النسخ ، وقد جاء فى رواية أخرى «والسبقة الجنة» ـ بضم السين ـ والسبقة عندهم : اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض ، والمعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم ، وإنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود.
٢٩ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم (١) ، كلامكم يوهى الصّمّ الصّلاب (٢) وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون فى المجالس : كيت
__________________
(١) أهواؤهم : آراؤهم وما تميل إليه قلوبهم والأهواء : جمع هوى ، بالقصر ـ وأصله إرادة النفس وما تميل إليه محمودا كان أو مذموما ، ثم غلب فى الاستعمال على غير المحمود
(٢) الصم : جمع أصم ، وهو من الحجارة الصلب المصمت ، والصلاب : جمع صليب ، والصليب : الشديد ، وبابه ظريف وظراف وضعيف وضعاف. ويوهيها : يضعفها ويفتتها. يقال : وهى الثوب ووهى يهى وهيا ـ من باب ضرب وحسب ـ تخرق وانشق ، وأوهاه يوهيه إيهاء : شقه وخرقه : أى : تقولون من الكلام ما يفلق الحجر بشدته وقوته ، ثم يكون فعلكم ، من الضعف والاختلال