تطلبوا منها أكثر من البلاغ (١)
٤٦ ـ ومن كلام له عليه السّلام
عند عزمه على المسير إلى الشام (٢)
اللّهمّ إنّى أعوذ بك من وعثاء السّفر (٣) ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر فى الأهل والمال. اللّهمّ أنت الصّاحب فى السّفر ، وأنت الخليفة فى الأهل ولا يجمعهما غيرك ، لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا ، والمستصحب لا يكون مستخلفا.
٤٧ ـ ومن كلام له عليه السّلام
فى ذكر الكوفة
كأنّى بك يا كوفة تمدّين مدّ الأديم العكاظىّ (٤) تعركين بالنّوازل ،
__________________
(١) البلاغ : ما يتبلغ به ، أى : يقتات به.
(٢) وذلك بعد حرب الجمل حيث اختلف عليه معاوية بن أبى سفيان ، ولم يدخل فى بيعته ، وقام للمطالبة بدم عثمان ، واستهوى أهل الشام ، واستنصرهم لرأيه فعززوه على الخلاف ، وسار اليه أمير المؤمنين ، والتقيا بصفين ، واقتتلا مدة غير قصيرة ، وانتهى القتال بتحكيم الحكمين : عمرو بن العاص ، وأبى موسى الأشعرى.
(٣) الوعثاء : المشقة ، والكآبة : الحزن. والمنقلب : مصدر بمعنى الرجوع ، وأول الكلام مروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فى الكتب الصحيحة ، وأتمه أمير المؤمنين بقوله : «ولا يجمعهما غيرك ـ الخ». وذات اللّه تستوى عندها الأمكنة كما تستوى الأزمنة : فالحضر والسفر عندها سواء ، وليس هذا الشأن لغير الذات الأقدس.
(٤) العكاظى : نسبة إلى عكاظ كغراب ـ وهو سوق كانت تقيمه العرب فى صحراء بين نخلة والطائف ، يجتمعون اليه من بداية شهر ذى القعدة ليتعاكظوا ـ أى : يتفاخروا ـ كل بما لديه من فضيلة وأدب ، ويستمر إلى عشرين يوما ، وليتبايعوا أيضا ، وأكثر ما كان يباع الأديم بتلك السوق فنسب اليها ، والأديم : الجلد المدبوغ ، وجمعه أدم ـ بفتحتين ، وضمتين ـ ، وآدمة ـ كأرغفة ـ وقوله «تمدين ـ الخ» : تصوير لما ينالها من العسف والخبط ، و «تعركين» : من «عركتهم الحرب» إذا مارستهم ، والنوازل : الشدائد ، والزلازل : المزعجات من الخطوب