٤١ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
إنّ الوفاء توءم الصّدق (١) ولا أعلم جنّة أوقى منه. ولا يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا فى زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيسا (٢) ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، ما لهم؟ قاتلهم اللّه! قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر اللّه ونهيه فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها من لا حريجة له فى الدّين (٣)
٤٢ ـ ومن كلام له عليه السّلام
أيّها النّاس ، إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتّباع الهوى ، وطول الأمل (٤) ، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل فينسى
__________________
(١) التوءم : الذى يولد مع الآخر فى حمل واحد ، فالصدق والوفاء قرينان فى المنشأ لا يسبق أحدهما الآخر فى الوجود ولا فى المنزلة : والجنة ـ بالضم ـ الوقاية ومن علم أن مرجعه إلى اللّه ، وهو سريع الحساب ، لا يمكن أن يعدل عن الوفاء إلى الغدر
(٢) الكيس ـ بالفتح ـ العقل ، وأهل ذلك الزمان يعدون الغدر من العقل وحسن الحيلة ، كأنهم أهل السياسة من بنى زماننا ، وأمير المؤمنين يعجب من زعمهم ، ويقول : ما لهم قاتلهم اللّه يزعمون ذلك مع أن الحول القلب ـ بضم الأول وتشديد الثانى من اللفظين ، أى : البصير بتحويل الأمور وتقليبها ـ قد يرى وجه الحيلة فى بلوغ مراده ، لكنه يجد دون الأخذ به مانعا من أمر اللّه ونهيه ، فيدع الحيلة وهو قادر عليها ، خوفا من اللّه ، ووقوفا عند حدوده.
(٣) الحريجة. التحرج ، أى : التحرز من الآثام
(٤) طول الأمل : هو استفساح الأجل ، والتسويف بالعمل ، طلبا للراحة العاجلة ، وتسلية للنفس بامكان