هذه الفرق على اختلاف حججها فى دينها! لا يقتصّون أثر نبيّ ، ولا يقتدون بعمل وصىّ ، ولا يؤمنون بغيب ، ولا يعفّون عن عيب (١) يعملون فى الشّبهات ويسيرون فى الشّهوات ، المعروف عندهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا (٢) ، مفزعهم فى المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم فى المهمّات على آرائهم ، كأنّ كلّ امرىء منهم إمام نفسه : قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات
٨٧ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أرسله على حين فترة من الرّسل ، وطول هجعة من الأمم ، واعتزام من الفتن (٣) ، وانتشار من الأمور ، وتلظّ من الحروب (٤) ، والدّنيا كاسفة النّور ظاهرة الغرور ، على حين اصفرار من ورقها (٥) ، وإياس من ثمرها ، واغورار
__________________
(١) ولا يعفون ـ بكسر العين وتشديد الفاء ـ من «عففت عن الشىء» إذا كففت عنه
(٢) أى : يستحسنون ما بدا لهم استحسانه ، ويستقبحون ما خطر لهم قبحه بدون رجوع إلى دليل بين. أو شريعة واضحة : يثق كل منهم بخواطر نفسه ، كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى ، على ما بها من جهل ونقص
(٣) الفترة بين الرسل : انقطاع الرسالة والوحى. والهجعة ـ بفتح فسكون ـ النومة ليلا ، والهجوع والتهجاع بفتح التاء ـ كذلك ، فأما الهجعة ـ بكسر فسكون ـ فهى الهيئة كالجلسة من الجلوس «اعتزام» من قولهم «اعتزم الفرس» إذا مر جامحا ، أى : وغلبة من الفتن. ويروى «اعترام» بالراء المهملة من العرام ، وهو الشرة ، ويقال : اعترمت الفرس ، إذا سقطت ومالت ، ويروى «اعتراض» بالضاد المعجمة بدل الميم
(٤) و «تلظ» أى : تلهب وفى التنزيل «فَأَنْذَرْتُكُمْ نٰاراً تَلَظّٰى»
(٥) هذا وما بعده تمثيل لتغير الدنيا ، وإشرافها على الزوال ، ويأس الناس من التمتع بها أيام الجاهلية. واغورار الماء : ذهابه ، ويروى «إعوار مائها» بالمهملة ـ من قولهم «فلاة عوراء» أى : لا ماء بها