من مائها ، قد درست منار الهدى ، وظهرت أعلام الرّدى ، فهى متجهّمة لأهلها (١) عابسة فى وجه طالبها ، ثمرها الفتنة ، وطعامها الجيفة ، وشعارها الخوف ، ودثارها السّيف (٢). فاعتبروا ، عباد اللّه ، واذكروا تيك الّتى آباؤكم وإخوانكم بها مرتهنون (٣) وعليها محاسبون. ولعمرى ما تقادمت بكم ولا بهم العهود ، ولا خلت فيما بينكم وبينهم الأحقاب والقرون ، (٤) وما أنتم اليوم من يوم كنتم فى أصلابهم ببعيد. واللّه ما أسمعهم الرّسول شيئا إلاّ وها أنا ذا اليوم مسمعكموه ، وما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس ولا شقّت لهم الأبصار ، ولا جعلت لهم الأفئدة فى ذلك الأوان إلاّ وقد أعطيتم مثلها فى هذا الزّمان. واللّه ما بصرتم بعدهم شيئا جهلوه ، ولا أصفيتم
__________________
(١) من «تجهمه» أى : استقبله بوجه كريه
(٢) «ثمرها الفتنة» أى : ليست لها نتيجة سوى الفتن والجيفة : إشارة إلى أكل العرب للميتة من شدة الاضطرار ، والشعار من الثياب : ما يلى البدن ، والدثار : فوق الشعار. ولما كان الخوف يتقدم السيف كان الخوف شعارا والسيف دثارا ، وأيضا فالخوف باطن والسيف ظاهر
(٣) «تيك» إشارة إلى سيئات الأعمال وبواطل العقائد ، وقبائح العادات ، و «هم بها مرتهنون» أى : محبوسون على عواقبها فى الدنيا من الذل والضعف
(٤) الأحقاب : جمع حقب ـ بالضم وبضمتين ـ قيل : ثمانون سنة ، وقيل : أكثر ، وقيل : هو الدهر