١٠٩ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أما بعد ، فإنّى أحذّركم الدّنيا فإنّها حلوة خضرة ، حفّت بالشّهوات ، وتحبّبت بالعاجلة ، وراقت بالقليل ، وتحلّت بالآمال ، وتزيّنت بالغرور ، لا تدوم حبرتها (١) ولا تؤمن فجعتها ، غرّارة ضرّارة ، حائلة زائلة (٢) نافدة بائدة (٣) ، أكّالة غوّالة (٤) لا تعدو إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها والرّضاء بها (٥) أن تكون كما قال اللّه سبحانه وتعالى : «كَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبٰاتُ اَلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ اَلرِّيٰاحُ وَكٰانَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً» لم يكن امرؤ منها فى حبرة إلاّ أعقبتها عبرة (٧) ولم يلق فى سرّائها بطنا (٨) إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا ، ولم تطلّه فيها ديمة رخاء (٩) إلاّ هتنت عليه مزنة بلاء ، وحرىّ ، إذا أصبحت له منتصرة ، أن تمسى له متنكّرة وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى (١٠) لا ينال امرؤ
__________________
(١) الحبرة ـ : بالفتح ـ السرور والنعمة
(٢) حائلة : متغيرة
(٣) نافدة : فانية «بائدة» ، أى : هالكة
(٤) غوالة : مهلكة
(٥) أى : إنها إذا وصلت بأهل الرغبة فيها إلى أمانيهم فلا تتجاوز الوصف الذى ذكره اللّه فى قوله «كماء ـ الخ» ، فقوله : «أن تكون» مفعول لتعدو
(٦) الهشيم : النبت اليابس المتكسر
(٧) بالفتح : الدمعة قبل أن تفيض ، أو تردد البكاء فى الصدر ، أو الحزن بلا بكاء
(٨) كنى بالبطن والظهر عن الاقبال والادبار
(٩) الطل : المطر الضعيف ، وطلت السماء : أمطرته ، والديمة : مطر يدوم فى سكون لا رعد ولا برق معه ، والرخاء : السعة ، وهتنت المزن : انصبت
(١٠) أوبى : صار كثير الوباء ، والوباء : هو المعروف بالريح الأصفر