من غضارتها رغبا (١) إلاّ أرهقته من نوائبها تعبا (٢) ، ولا يمسى منها فى جناح أمن إلاّ أصبح على قوادم خوف (٣) غرّارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها لا خير فى شىء من أزوادها إلاّ التّقوى ، من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه ، ومن استكثر منها استكثر ممّا يوبقه (٤) وزال عمّا قليل عنه ، كم من واثق بها فجعته (٥) وذى طمأنينة قد صرعته ، وذى أبهة قد جعلته حقيرا (٦) وذى نخوة قد ردّته ذليلا (٧)؟ سلطانها دول (٨) ، وعيشها رنق (٩) وعذبها أجاج (١٠) وحلوها صبر (١١) وغذاؤها سمام (١٢) وأسبابها رمام (١٣) حيّها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ، ملكها مسلوب ، وعزيزها مغلوب ، وموفورها منكوب (١٤) ، وجارها محروب (١٥) ألستم فى مساكن من كان قبلكم أطول
__________________
(١) الغضارة : النعمة والسعة ، والرغب ـ بالتحريك ـ : الرغبة ، والمرغوب
(٢) أرهقته التعب : ألحقته به
(٣) القوادم : جمع قادمة ، وهى الواحدة من أربع أو عشر ريشات فى مقدم جناح الطائر ، وهى القوادم
(٤) يهلكه
(٥) أوجعته بفقد ما يعز عليه
(٦) أبهة ـ يضم فتشديد ـ : عظمة
(٧) النخوة ـ بالفتح ـ : الافتخار
(٨) جمع دولة ، وهى : انقلاب الزمان.
(٩) رنق ـ بفتح فكسر ـ : كدر
(١٠) مالح شديد الملوحة
(١١) الصبر ـ ككتف ـ : عصارة شجر مر
(١٢) جمع ـ سم ـ مثلث السين ـ وهو من المواد : ما إذا خالط المزاج أفسده فقتل صاحبه
(١٣) جمع رمة ـ بالضم ـ وهى : القطعة البالية من الحبل ، أى : ما يتمسك به منها فهو بال منقطع
(١٤) موفورها : ما كثر منها مصاب بالنكبة ، وهى المصيبة ، أى : فى معرض لذلك
(١٥) من حربه حربا ـ بالتحريك ـ : إذا سلب ماله