شكركم ، فقد أعذر اللّه إليكم بحجج مسفرة ظاهرة ، وكتب بارزة العذر واضحة (١).
٨٠ ـ ومن كلام له عليه السّلام
فى صفة الدنيا
ما أصف من دار أوّلها عناء ، وآخرها فناء ، فى حلالها حساب ، وفى حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن ساعاها فاتته (٢) ، ومن قعد عنها واتته ، ومن أبصر بها بصّرته (٣) ، ومن أبصر
__________________
(١) أعذر : بمعنى أنصف ، وأصله مما همزته للسلب ، فأعذرت فلانا سلبت عذره ، أى : ما جعلت له عذرا يبديه لو خالف ما نصحته به. ويقال «أعذرت إلى فلان» أى : أقمت لنفسى عنده عذرا واضحا فيما أنزله به من العقوبة ، حيث حذرته ، ويصح أن تكون العبارة فى الكتاب على هذا المعنى أيضا ، بل هو الأقرب من لفظ «إليكم» ويكون الكلام على المجاز ، وتنزيل قيام الحجة له منزلة قيام العذر لنا. والمسفرة : الكاشفة عن نتائجها الصحيحة ، و «بارزة العذر» ظاهرته
(٢) من جرى معها فى مطالبها ، والقصد بذلك أنه اهتم بها وجد فى طلبها. وقوله «فاتته» أى : سبقته ، فانه كلما نال شيئا فتحت له أبواب الآمال فيها ، فلا يكاد يقضى مطلوبا واحدا حتى يهتف به ألف مطلوب ، وقوله «ومن قعد عنها واتته» يريد به أن من قوم اللذائذ الفانية بقيمتها الحقيقية ، وعلم أن الوصول إليها إنما يكون بالعناء ، وفواتها يعقب الحسرة عليها ، والتمتع بها لا يكاد يخلو من شوب الألم فقد واتته هذه الحياة وأراحته ، فانه لا يأسف على فائت منها ، ولا يبطر لحاضر ، ولا يعانى ألم الانتظار لمقتبل.
(٣) «أبصر بها» أى : جعلها مرآة نيرة : تجلو لقلبه آثار الجد فى عظائم الأعمال ، وتمثل له هياكل المجد؟؟؟ الباقية ، مما رفعته أيدى الكاملين ، وتنكشف له عواقب أهل الجهالة من المترفين ، فقد صارت الدنيا له بصرا وحوادثها عبرا. وأما من أبصر إليها واشتغل بها فانه يعمى عن كل خير فيها ويلهو عن الباقيان بالزائلات وبئس ما اختار لنفسه! ،