فتزوّدوا فى الدّنيا ، من الدّنيا ، ما تحرزون به أنفسكم غدا (١) فاتّقى عبد ربّه نصح نفسه ، وقدّم توبته ، وغلب شهوته (٢) فإنّ أجله مستور عنه ، وأمله خادع له ، والشّيطان موكّل به : يزيّن له المعصية ليركبها ويمنّيه التّوبة ليسوّفها (٣) حتّى تهجم منيّته عليه أغفل ما يكون عنها (٤) فيا لها حسرة على ذى غفلة أن يكون عمره عليه حجّة (٥) ، وأن تؤدّيه أيّامه إلى شقوة ، نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تبطره نعمة ، (٦) ولا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية ، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة.
٦٣ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
الحمد للّه الّذى لم يسبق له حال حالا (٧) فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا ،
__________________
(١) «ما تحرزون به أنفسكم» أى : تحفظونها به ، وذلك هو تقوى اللّه فى السر والنجوى ، وطاعة الشرع ، وعصيان الهوى
(٢) قوله «فاتقى عبد ربه» وما بعده : أوامر بصيغة الماضى ، ويجوز أن يكون بيانا للتزود المأمور به فى قوله «فتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم» أو بيانا لما يحرزون به أنفسهم
(٣) «يسوفها» أى : يؤجلها ، ويؤخرها.
(٤) قوله «أغفل ما يكون» حال من الضمير فى «عليه». والمنية : الموت ، أى : لا يزال الشيطان يزين له المعصية ويمنيه بالتوبة أن تكون فى مستقبل العمر ليسوفها حتى يفاجئه الموت وهو فى أشد الغفلة عنه
(٥) يكون عمره حجة عليه لأنه أوتى فيه المهلة ، ومكن فيه من العمل ، فلم ينشط له
(٦) لا تبطره النعمة : لا تطغيه ، ولا تسدل على بصيرته حجاب الغفلة عما هو صائر إليه
(٧) ما للّه من وصف فهو كذاته يجب بوجوبها ، فكما أن ذاته ـ سبحانه ـ لا يدنو منها التغير والتبدل ، فكذلك أوصافه هى ثابتة له معا : لا يسبق منها وصف وصفا ، وإن كان مفهومها قد يشعر بالتعاقب ـ إذا أضيفت إلى غيره ـ فهو أول وآخر أزلا وأبدا ، أى : هو السابق بوجوده لكل موجود ، وهو بذلك السبق باق لا يزول. وكل وجود سواه ، فعلى أصل الزوال مبناه ، ثم هو ، فى ظهوره بأدلة وجوده ، باطن بكنهه : لا تدركه العقول ، ولا تحوم عليه الأوهام