فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا ، ولم يترككم سدى (١) ، وما بين أحدكم وبين الجنّة أو النّار إلاّ الموت أن ينزل به (٢) وإنّ غاية تنقصها اللّحظة وتهدمها السّاعة لجديرة بقصر المدّة (٣) وإنّ غائبا يحدوه الجديدان اللّيل والنّهار لحرىّ بسرعة الأوبة (٤) وإنّ قادما يقدم بالفوز والشّقوة لمستحقّ لأفضل العدّة ،
__________________
بدار الآخرة ، وهى الدار التى ينتقل إليها
(١) تعالى اللّه أن يفعل شيئا عبثا وقد خلق الانسان ، وآتاه قوة العقل التى تصغر عندها كل لذة دنيوية ، ولا تقف رغائبها عند حد منها مهما علت رتبته ، فكأنها مفطورة على استصغار كل ما تلاقيه فى هذه الحياة وطلب غاية أعلى مما يمكن أن ينال فيها ، فهذا الباعث الفطرى لم يوجده اللّه تعالى عبثا ، بل هو الدليل الوجدانى المرشد إلى ما وراء هذه الحياة ، و «سدى» أى : مهملين بلا راع يزجركم عما يضركم ويسوقكم إلى ما ينفعكم وأصل السدى ـ بضم السين ، وتفتح ـ الابل المهملة بلا راع ، ويقال بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث ، ورعاتنا الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام وخلفاؤهم
(٢) «أن ينزل به» فى محل رفع بدل من الموت ، أى : ليس بين الواحد منا وبين الجنة إلا نزول الموت به إن كان قد أعد للجنة عدتها ، ولا بينه وبين النار إلا نزول الموت به إن كان قد عمل بعمل أهلها ، فما بعد هذه الحياة إلا الحياة الأخرى ، وهى إما شقاء وإما نعيم
(٣) تلك الغاية هى الأجل. و «تنقصها» أى : تنقص أمد الانتهاء إليها ، وكل لحظة تمر فهى نقص فى الأمد بيننا وبين الأجل ، والساعة تهدم ركنا من ذلك الأمد ، وما كان كذلك فهو جدير بقصر المدة.
(٤) ذلك الغائب هو الموت. ويحدوه : يسوقه ، والجديدان : الليل والنهار ، لأن الأجل المقسوم لك إن كان بعد ألف سنة فالليل والنهار بكرورهما عليك يسوقان إليك ذلك المنتظر على رأس الألف ، وما أسرع مرهما ، والانتهاء إلى الغاية ، وما أسرع أوبة ذلك الغائب الذى يسوقانه إليك ـ أى : رجوعه ـ والموت هو ذلك القادم إما بفوز وإما بشقوة ، وعدته الأعمال الصالحة ، والملكات الفاضلة