أرهب بالضّرب ، وإنّى لعلى يقين من ربّى ، وغير شبهة من دينى.
٢٣ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أمّا بعد فانّ الأمر ينزل من السّماء إلى الأرض كقطرات المطر : إلى كلّ نفس بما قسم لها من زيادة ونقصان ، فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة فى أهل أو مال أو نفس (١) فلا تكوننّ له فتنة ، فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت وتغرى بها لئام النّاس ، كان كالفالج الياسر (٢) الّذى ينتظر أوّل فوزة من قداحه توجب له المغنم ، ويرفع بها عنه المغرم ، وكذلك المرء المسلم البرىء من الخيانة ينتظر من اللّه إحدى الحسنيين إمّا داعى اللّه فما عند اللّه خير له ، وإمّا رزق اللّه فإذا هو ذو أهل ومال ، ومعه دينه وحسبه ، إنّ المال والبنين حرث الدّنيا ، والعمل الصّالح حرث الآخرة ، وقد
__________________
من النساء التى لا يبقى لها ولد ، وهو دعاء عليهم بالموت ، لعدم معرفتهم بأقدار أنفسهم ، فالموت خير لهم من حياة جاهلية
(١) غفيرة : زيادة وكثرة
(٢) الفالج : الظافر ، فلج يفلج ـ كنصر ينصر ـ ظفر وفاز. ومنه المثل : من يأت الحكم وحده يفلج ، والياسر : الذى يلعب بقداح الميسر أى : المقامر. وفى الكلام تقديم وتأخير ، ونسقه كالياسر الفالج كقوله تعالى «وَغَرٰابِيبُ سُودٌ» ، وحسنه ان اللفظتين صفتان وإن كانت إحداهما إنما تأتى بعد الأخرى إذا صاحبتها ، يريد أن المسلم إذا لم يأت فعلا دنيئا يخجل لظهوره وذكره ، ويبعث لئام الناس على التكلم به ، فقد فاز بشرف الدنيا وسعادة الآخرة ، فهو شبيه بالمقامر الفائز فى لعبه لا ينتظر إلا فوزا. أى : أن المسلم إذا برىء من الدناءات لا ينتظر إلا إحدى الحسنيين : إما نعيم الآخرة ، أو نعيم الدارين ، فجدير به أن لا يأسف على فوت حظ من الدنيا. فانه إن فاته ذلك لم يفته نصيبه من الآخرة ، وهو يعلم أن الأرزاق بتقدير رزاقها ، فهو أرفع من أن يحسد أحدا على رزق ساقه اللّه اليه. وقوله «فاحذروا ما حذركم اللّه من نفسه» : يريد احذروا الحسد ، فان مبعثه انتقاص صنع اللّه تعالى واستهجان بعض أفعاله ، وقد حذرنا اللّه من الجرأة على عظمته فقال : «وَإِيّٰايَ فَارْهَبُونِ» «وَإِيّٰايَ فَاتَّقُونِ».) وما يفوق الكثرة من الآيات الدالة على ذلك