لاملىء واللّه بإصدار ما ورد عليه ، ولا هو أهل لما فوّض إليه (١) لا يحسب العلم فى شىء ممّا أنكره ، ولا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره ، وإن أظلم أمر اكتتم به (٢) لما يعلم من جهل نفسه ، تصرخ من جور قضائه الدّماء ، وتعجّ منه المواريث (٣) إلى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا (٤) ويموتون ضلاّلا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلى حقّ تلاوته (٥) ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه ، ولا عندهم أنكر من المعروف ، ولا أعرف من المنكر.
١٨ ـ ومن كلام له عليه السّلام
فى ذم اختلاف العلماء فى الفتيا
ترد على أحدهم القضيّة فى حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد
__________________
(١) الملىء بالقضاء : من يحسنه ويجيد القيام عليه ، وهذا لا ملىء باصدار القضايا التى ترد عليه وإرجاعها عنه مفصولا فيها النزاع ، مقطوعا فيها الحكم. أى : غير قيم بذلك ، ولا غناء فيه لهذا الأمر الذى تصدر له. وروى ابن قتيبة بعد قوله لا ملىء واللّه باصدار ما ورد عليه (ولا أهل لما قرظ به) أى : مدح به ـ بدل ولا هو أهل لما فوض إليه
(٢) اكتتم به : أى كتمه وستره
(٣) العج : رفع الصوت. وصراخ الدماء وعج المواريث تمثيل لحدة الظلم وشدة الجور
(٤) إلى اللّه متعلق بأشكو ، وفى رواية إسقاط لفظ أشكو فيكون إلى اللّه متعلقا بتعج. وقوله من معشر : يشير إلى أولئك الذين قمشوا جهلا
(٥) تلى حق تلاوته : أخذ على وجهه وما يدل عليه فى جملته وفهم كما كان النبى وأصحابه صلّى اللّه عليه وسلّم يفهمونه. وأبور من بارت السلعة : كسدت. وأنفق من النفاق ـ بالفتح ـ وهو الرواج. وما أشبه حال هذا المعشر بالمعاشر من أهل هذا الزمان