(قوله «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم» يريد أنه إذا شدد عليها فى جذب الزمام وهى تنازعه رأسها خرم أنفها ، وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها : يقال : أشنق الناقة ، إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه ، وشنقها أيضا ، ذكر ذلك ابن السكيت فى إصلاح المنطق : وإنما قال : «أشنق لها» ولم يقل «أشنقها» لأنه جعله فى مقابلة قوله «أسلس لها» فكأنه عليه السلام قال : إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها)
٤ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
بنا اهتديتم فى الظّلماء ، وتسنّمتم العلياء (١) ، وبنا انفجرتم عن السّرار. وقر سمع لم يفقه الواعية (٢) وكيف يراعى النّبأة من أصمّته الصّيحة (٣). ربط
__________________
(١) تسنمتم العلياء : ركبتم سنامها وارتقيتم الى أعلاها ، والسرار ـ كسحاب وكتاب ـ آخر ليلة من الشهر يختفى فيها القمر. وانفجرتم : دخلتم فى الفجر ، والمراد كنتم فى ظلام حالك ، وهو ظلام الشرك والضلال ، فصرتم إلى ضياء ساطع بهدايتنا وارشادنا ، والضمير لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، والامام ابن عمه ونصيره فى دعوته ، ويروى «أفجرتم» بدل «انفجرتم» وهو أفصح وأوضح ، لأن انفعل لا يأتى لغير المطاوعة إلا نادرا ، أما أفعل فيأتى لصيرورة الشىء إلى حال لم يكن عليها ، كقولهم : أجرب الرجل : إذا صارت إبله جربى ، وأمثاله كثير.
(٢) الواعية : الصاخة والصارخة والصراخ نفسه ، والمراد هنا العبر والمواعظ الشديدة الأثر ، ووقرت أذنه فهى موقورة ، ووقرت كسمعت : صمت ، دعاء بالصمم على من لم يفهم الزواجر والعبر
(٣) الصيحة هنا : الصوت الشديد ، والنبأة : أراد منها الصوت الخفى ، أى : من أصمته الصيحة فلم يسمعها كيف يمكن أن يسمع النبأة فيراعيها ، ويشير بالصيحة إلى زواجر كتاب اللّه ومقال رسوله. وبالنبأة إلى ما يكون منه رضى اللّه عنه. وقد رأينا هذا أقرب مما أشرنا إليه فى الطبعة السابقة (٣ ـ ن ـ ج ـ ١)