جنان لم يفارقه الخفقان (١) ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر ، وأتوسّمكم بحلية المغترّين (٢) سترنى عنكم جلباب الدّين (٣) وبصّرنيكم صدق النّيّة ، أقمت لكم على سنن الحقّ فى جوادّ المضلّة (٤) حيث تلتقون ولا دليل ، وتحتفرون ولا تميهون (٥) اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان (٦) غرب رأى امرئ تخلّف عنّى (٧) ما شككت فى الحقّ مذ أريته ، لم يوجس موسى عليه السّلام
__________________
(١) ربط جأشه رباطة بكسر الراء : اشتد قلبه ، ومثله رباطة الجنان ، أى : القلب ، وهو دعاء للقلب الذى لازمه الخفقان والاضطراب خوفا من اللّه بأن يثبت ويستمسك
(٢) ينتظر بهم الغدر : يترقب غدرهم ثم كان يتفرس فيهم الغرور والغفلة وأنهم لا يميزون بين الحق والباطل ، ولهذا لا يبعد أن يجهلوا قدره فيتركوه إلى من ليس من الحق على مثل حاله ، والحلية هنا : الصفة
(٣) جلباب الدين : ما لبسوه من رسومه الظاهرة ، أى : أن الذى عصمكم منى هو ما ظهرتم به من الدين وإن كان صدق نيتى قد بصرنى ببواطن أحوالكم وما تكنه صدوركم ، وصاحب القلب الطاهر تنفذ فراسته إلى سرائر النفوس فتستخرجها
(٤) المضلة ـ بكسر الضاد وفتحها ـ الأرض يضل سالكها ، وللضلال طرق كثيرة ، لأن كل ما جاز عن الحق فهو باطل وللحق طريق واحد مستقيم وهو الوسط بين طرق الضلال ، لهذا قال : أقمت لكم على سنن الحق ، وهو طريقه الواضح فيما بين جواد المضلة وطرقها المتشعبة حيث يلاقى بعضكم بعضا وكلكم تائهون ، فلا فائدة فى التقائكم حيث لا يدل أحدكم صاحبه لعدم علمه بالدليل
(٥) تميهون : تجدون ماء ، من أماهوا أركيتهم : أنبطوا ماءها : أو تستقون ، من أماهوا دوابهم : سقوها
(٦) أراد من العجماء رموزه وإشاراته ، فانها وإن كانت غامضة على من لا بصيرة لهم لكنها جلية ظاهرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، لهذا سماها ذات البيان مع أنها عجماء
(٧) غرب : غاب ، أى : لا رأى لمن تخلف عنى ولم يطعنى