أصبحت واللّه لا أصدّق قولكم ، ولا أطمع فى نصركم ، ولا أوعد العدوّ بكم ما بالكم! ما دواؤكم! ما طبّكم! القوم رجال أمثالكم! أقولا بغير علم؟ وغفلة من غير ورع؟ وطمعا فى غير حقّ؟!
٣٠ ـ ومن كلام له عليه السّلام
فى معنى قتل عثمان
لو أمرت به لكنت قاتلا ، أو نهيت عنه لكنت ناصرا (١) غير أنّ من
__________________
والناصل : العارى عن النصل ، أى : من رمى بهم فكأنما رمى بسهم لا يثبت فى الوتر حتى يرمى ، وإن رمى به لم يصب مقتلا إذ لا نصل له. وهذه الخطبة خطبها أمير المؤمنين عند إغارة الضحاك بن قيس ، فان معاوية لما بلغه فساد الجند على أمير المؤمنين دعا الضحاك بن قيس وقال له : سر حتى تمر بناحية الكوفة ، وترتفع عنها ما استطعت ، فمن وجدت من الأعراب فى طاعة على فأغر عليه ، وإن وجدت له خيلا أو مسلحة فأغر عليها ، وإذا أصبحت فى بلدة فأمس فى أخرى. ولا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها. وسرحه فى ثلاثة آلاف ، فأقبل الضحاك فنهب الأموال ، وقتل من لقى من الأعراب ، ثم لقى عمر بن عميس بن مسعود الذهلى فقتله ـ وهو ابن أخى عبد اللّه بن مسعود ـ ونهب الحاج ، وقتل منهم وهم على طريقهم عند القطقطانة ، فساء ذلك أمير المؤمنين ، وأخذ يستنهض الناس إلى الدفاع عن ديارهم ، وهم يتخاذلون ، فوبخهم بما تراه فى هذه الخطبة ، ثم دعا بحجر بن عدى فسيره إلى الضحاك فى أربعة آلاف ، فقاتله ، فانهزم فارا إلى الشام يفتخر بأنه قتل ونهب
(١) يقول : إنه لم يأمر بقتل عثمان ، وإلا كان قاتلا له ، مع أنه برىء من قتله ، ولم ينه عن قتله ـ أى : لم يدافع عنه بسيفه ، ولم يقاتل دونه ـ وإلا كان ناصرا له. أما نهيه عن قتله بلسانه فهو ثابت ، وهو الذى أمر الحسن والحسين أن يذبا الناس عنه