٢ ـ ومن خطبة له بعد انصرافه من صفين (١)
أحمده استتماما لنعمته ، واستسلاما لعزّته ، واستعصاما من معصيته. وأستعينه فاقة إلى كفايته ، إنّه لا يضلّ من هداه ، ولا يئل من عاداه (٢) ، ولا يفتقر من كفاه ، فإنّه أرجح ما وزن (٣) ، وأفضل ما خزن. وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، شهادة ممتحنا إخلاصها ، معتقدا مصاصها (٤) نتمسّك بها أبدا ما أبقانا ، وندّخرها لأهاويل ما يلقانا (٥) ، فإنّها عزيمة الإيمان ، وفاتحة الإحسان ، ومرضاة الرّحمن ، ومدحرة الشّيطان (٦). وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالدّين المشهور ، والعلم المأثور (٧) والكتاب المسطور ، والنّور السّاطع ، والضّياء اللاّمع ، والأمر الصّادع ، إزاحة للشّبهات ، واحتجاجا بالبيّنات ، وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا بالمثلات (٨)
__________________
(١) صفين كسجين : محلة عدها الجغرافيون من بلاد الجزيرة (ما بين الفرات والدجلة) والمؤرخون من العرب عدوها من أرض سوريا ، وهى اليوم فى ولاية حلب الشهباء. وهذه الولاية كانت من أعمال سوريا
(٢) وأل يئل : خلص
(٣) الضمير فى «فانه» للحمد المفهوم من «أحمده»
(٤) مصاص كل شىء خالصه
(٥) الأهاويل : جمع أهوال ، وأهوال جمع هول ، فهى جمع الجمع
(٦) مدحرة الشيطان أى : تبعده وتطرده
(٧) العلم ـ بالتحريك ـ ما يهتدى به ، وهو هنا الشريعة الحقة ، والمأثور : المنقول عنه.
(٨) المثلات ، بفتح فضم : العقوبات ، جمع مثلة ـ بضم التاء وسكونها بعد الميم ـ وجمعها مثولات ومثلات ، وقد تسكن تاء الجمع تخفيفا