وقيام الحجّة بوجود النّاصر ، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم (١) ، لألقيت حبلها على غاربها (٢) ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندى من عفطة عنز (٣). قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد (٤) عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا ، فأقبل ينظر فيه ، قال له ابن عباس رضى اللّه عنهما : يا أمير المؤمنين ، لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت فقال : هيهات يابن عبّاس ، تلك شقشقة (٥) هدرت ثمّ قرّت قال ابن عباس : فو اللّه ما أسفت على كلام قط كأسفى على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد
__________________
(١) والناصر : الجيش الذى يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول فى البيعة الصحيحة ، والكظة : ما يعترى الآكل من امتلاء البطن بالطعام ، والمراد استئثار الظالم بالحقوق. والسغب : شدة الجوع ، والمراد منه هضم حقوقه
(٢) الغارب : الكاهل ، والكلام تمثيل للترك وإرسال الأمر
(٣) عفطة العنز : ما تنثره من أنفها ، تقول : عفطت تعفط من باب ضرب ، غير أن أكثر ما يستعمل ذلك فى النعجة. والأشهر فى العنز النفطة بالنون ، يقال : ما له عافط ولا نافط ، أى : نعجة ولا عنز. كما يقال : ما له ثاغية ولا راغية. والعفطة الحبقة أيضا ، لكن الأليق بكلام أمير المؤمنين هو ما تقدم
(٤) السواد : العراق ، وسمى سوادا لخضرته بالزرع والأشجار ، والعرب تسمى الأخضر أسود. قال اللّه تعالى «مُدْهٰامَّتٰانِ» يريد الخضرة ، كما هو ظاهر
(٥) الشقشقة ـ بكسر فسكون فكسر ـ شىء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج ، وصوت البعير بها عند إخراجها هدير ، ونسبة الهدير إليها نسبة إلى الآلة ، قال فى القاموس : والخطبة الشقشقية العلوية ، وهى هده