ألا وإنّه من لا ينفعه الحقّ يضرره الباطل (١) ، ومن لم يستقم به الهدى يجرّ به الضّلال إلى الرّدى ، ألا وإنّكم قد أمرتم بالظّعن (٢) ، ودللتم على الزّاد ، وإنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل ، تزوّدوا من الدّنيا ما تحرزون أنفسكم به غدا (٣) قال الشريف : أقول : لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد فى الدنيا ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام ، وكفى به قاطعا لعلائق الآمال ، وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار ، ومن أعجبه قوله عليه السلام «ألا وإنّ اليوم المضمار وغدا السّباق والسّبقة الجنّة والغاية النّار» فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ ، وعظم قدر المعنى ، وصادق التمثيل ، وواقع التشبيه ـ سرا عجيبا ، ومعنى لطيفا ، وهو قوله عليه السلام : «والسبقة الجنة ، والغاية النار» فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، ولم يقل «السبقة النار» كما قال «السبقة الجنة» ، لأن
__________________
واستكمال أسباب السعادة فيها ، وأن ينام الهارب من النار فى هولها واستجماعها أسباب الشقاء
(١) النفع الصحيح كله فى الحق. فان قال قائل : إن الحق لم ينفعه فالباطل أشد ضررا له ، ومن لم يستقم به الهدى المرشد إلى الحق ـ أى : لم يصل به إلى مطلوبه من السعادة ـ جرى به الضلال إلى الردى والهلاك
(٢) الظعن ـ بالفتح ، وبالتحريك ـ الرحيل عن الدنيا ، وفعله كقطع ، وأمرنا به أمر تكوين ، أى كما خلقنا اللّه خلق فينا أن نرحل عن حياتنا الأولى لنستقر فى الأخرى ، والزاد الذى دلنا عليه : هو عمل الصالحات ، وترك السيئات.
(٣) تحرزون أنفسكم : تحفظونها من الهلاك الأبدى ، ويقال : حرز نفسه ـ كنصر ـ أو هذا إبدال والأصل حرس بالسين فأبدلت زايا ، وتقول : حرز فلان ككرم ، إذا تحصن ، وحرز كفرح ، إذا كثر ورعه.