وكنت أضرب (١) عن هذا الخطب صفحا وأطوي (٢) دون مرامهم كشحا علما (٣) منّي بأنّ مستحسن الطّبائع بأسرها ، ومقبول الأسماع عن آخرها ، أمر لا تسعه مقدرة البشر ،
______________________________________________________
وقيل إنّ الإتيان بكلمة «على» دون إلى إنّما هو للطيفة وهي أنّ : «على» تستعمل فعلا ماضيا بمعنى ارتفع ففيه إشارة إلى أنّهم حين مدّوا الأعناق ارتفع عنهم فلم يصلوا إليه. فحينئذ قوله : «ومدّوا أعناق المسخ» جملة مستقلّة يصحّ فيها الوقف ثمّ يبتدأ بقوله : «على ذلك الكتاب» أي ارتفع ذلك الكتاب عن مدّ أعناقهم لأجل مسخهم إيّاه فهو تحصين لكتابه حقيقة.
(١) الضّرب بمعنى الإمساك أو الإعراض و «الخطب» بمعنى الأمر العظيم «صفحا» بمعنى إعراضا أو إمساكا وقوله : «وكنت» عطف على قوله : «رأيت» أو حال عن فاعله ، والمعنى حينئذ : رأيت الكثير ... حال كوني أعرض عن هذا الأمر العظيم إعراضا أو حال كوني أمسك نفسي عن هذا الأمر العظيم إمساكا ، فالفعل على الأوّل متعدّ حذف مفعوله ، وعلى الثّاني لازم و «صفحا» مفعول مطلق ، وقيل بأنّه مفعول لأجله على التّقديرين.
(٢) «أطوي» من الطّيّ ضدّ النّشر ، «دون» بمعنى قبل أو قدّام ، والمرام بمعنى المطلوب ، والكشح في اللّغة وإن كان بمعنى الجنب إلّا أنّ المراد به هنا هو الامتناع عن الوصول إلى المطلوب و «كشحا» مفعول لأجله لقوله : «أطوي» وقوله : «وأطوي» عطف على قوله : «أضرب» في جملة «وكنت أضرب» والمعنى حينئذ : وحال كوني أتجنّب عن حصول مرامهم وهو الاختصار قبل وصولهم إلى المطلوب لأجل الامتناع عن الوصول إلى المطلوب.
(٣) «علما» علّة لكلّ من «أضرب» و «أطوي» على التّنازع والمراد ب «مستحسن الطّبائع بأسرها» هو الإتيان بالأمر الّذي يستحسنه ذوو الطّبائع بجميعها. والمعنى : أضرب عن هذا الخطب صفحا وأطوي دون مرامهم كشحا ، علما منّي بأنّ الإتيان بالأمر الّذي يستحسنه ذوو الطّبائع بجميعها وتقبله الأسماع ، «عن آخرها» أي إلى آخرها «أمر لا تسعه مقدرة البشر» أي قدرتهم ، لأن المقدرة بضم الدّال وفتحها مصدر ميمي بمعنى القدرة.